تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والدليل على أنه يلزمها هذا الشد ظاهر حديث حَمْنة رضي الله عنها فإنها لما قالت للنبي- صلى الله عليه وسلم -: إنّي أُسْتَحَاض حَيضةً شديدةً، فلا أَطْهُر؟ قال عليه الصلاة والسلام: [أنعتُ لَكِ الكُرْسُفَ؟] قالت: هو أكثر من ذلك؛ فقال عليه الصلاة والسلام: [فَاتّخِذي ثَوْباً] قالت: هو أكثر من ذلك، قال: [فتلجّمي] والتّلجم مأخوذ من: اللجام، واللجام في الأصل يكون حائلاً كما في لجام الدابة؛ لأنه يلجمها فيمنعها فهو حائل، ومانع، ولذلك قوله عليه الصلاة والسلام: [تَلجّمي] معناه اُعصبي الفرج؛ لأن عصبه لجام، ومانعٌ يَقِي من خروج الخارج، أو يحفظ الموضع من إخراج الخارج، وبناءً على ذلك أخذ العلماء رحمهم الله من قوله عليه الصلاة والسلام: [تَلجّمِي] أن السُّنة في المرأة المستحاضة أنها تَشدُّ الموضعَ إذا غَلبها الدمُ.

هذا بالنسبة لأحوال المستحاضة إذا حُكِمَ بانتهاء حيضها، ودخولها في الاستحاضة.

وقول المصنف رحمه الله: [ونَحْوِها] يعني: نحو المستحاضة، النحو: بمعنى المثل، والشبيه كما تقدم: إما أن يكون نحوها بمعنى شبيهاً للمستحاضة من كل وجه، وهذه حالة، أو يكون شبيهاً لها من بعض الوجوه دون بعضها، وهي الحالة الثانية.

ونبدأ بالشّبيه الذي يشبه المستحاضة من كل الوجوه، وهو الذي معه سلس البول، فإذا نظرت إلى كون دم الاستحاضة دماً نجساً من خارج معتبر غلب بكثرة خروجه، فإن الأمر كذلك بالنسبة لمن كان معه سلس البول، فإن البول خارج يوجب انتقاض الوضوء كما توجبه الاستحاضة؛ وهو نجس، وخارجٌ من الموضع المعتبر فهو كدم الإستحاضة سواء بسواء، إذاً من كان به سلس بول نُعْطِيه حكمَ الاستحاضة، وهكذا من به سلس المذي؛ لأن المذي نجس، وكذلك من به بواسير إذا نزفت، واستمر نزيف الدم كالإستحاضة، فإن هذه الأمثلة الثلاثة البول، والمذي، والبواسير كلّها ناقضة للوضوء، وهي نجسة وخارجة من الموضع فهي تشبه الإستحاضة في مسائلها، فإذا استرسلت كدم الإستحاضة أخذت حكمه، وتعرف مسألتهم بمسألة دائم الحدث.

الحالة الثانية: أن يكون الشبيه للمستحاضة من بعض الوجوه، ومثاله من به نواسير، والنواسير تكون على فتحة الدبر، فهي ليست من الداخل كالبواسير بل من الخارج، ومن هنا لم تُشْبِه الإستحاضة في كونها ناقضة للطهارة، وموجبة للحدث الأصغر، وكذلك الرَّعاف، ونزيف الجروح كلّها تشبه الإستحاضة من بعض الوجوه لا من كلها فهي كالإستحاضة من جهة كونها نجسة، وقد تقدم بيان الأدلة على نجاسة الدم سواء خرج من الموضع، أو خرج من غيره، فأصبحت شبيهة بالإستحاضة من جهة الحكم بنجاستها، والتخفيف فيها إن غلبت، فإذا جرى الدم في النواسير، والرعاف ولم يرقأ فُصِّل في حكمه كالإستحاضة لكنه مخالف لها في كونه لا يوجب انتقاض طهارة الحدث على أصح قولي العلماء رحمهم الله كما قدمناه في النواقض، فتلخص أن هذه الثلاثة تأخذ حكم الإستحاضة في طهارة الخبث، دون طهارة الحدث، وهذا على القول بأنها لا تنقض الوضوء، وأما على القول بأنها ناقضة تكون كالبول، تشبه من كل الوجوه.

ويكون الناسور، والرعاف، ونزيف الجروح كالإستحاضة إذا استمر جريان الدم فيه، أما لو كان قطرات تنقطع فإنه لا إشكال فيه فيغسل الموضع، ثم يصلي، فإذا شابه الإستحاضة فكان نزيفه مسترسلاً، أو قطراته لا تنقطع، ولو كانت قليلة، واستمرت وقت الصلاة، فحينئذ يفصّل فيه كالإستحاضة، فإن أمكن حبسه بوضع القطن، ونحوه، أو شدّه؛ فإنه يشدّ، ويُحبس، وأما إذا كان لا ينحبس فحكمه حكم دم الإستحاضة إذا إِسترسل تتطهر المرأة لدخول وقت كل صلاة، وهكذا من به السلس، والناسور، والجروح، والقروح السيّالة ثم يصلي في وقته حتى ينتهي وقت الصلاة فيطهّر الموضع ثانية.

والذي يُطْعن، أو يجرح فينزف جرحه له حالتان:

الحالة الأولى: أن يمكن إيقاف النزف بأن يكون خفيفاً؛ بحيث لو وضع في الموضع قطنة سكن نزيفه؛ فحينئذً يجب إيقاف الدم بوضع حائل من قطن، أو قماش، أو نحوه، ولو بالشَّدِ.

الحالة الثانية: أن يكون قوياً لا يرقأ، فإذا كان كذلك؛ صلى، ولو خرج معه ذلك الدم النجس، وتطهر لدخول وقت كل صلاة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير