والدليل على ذلك: أن عمر-رضي الله عنه- صلى بجراحته كما في صحيح البخاري، وكذلك - أيضاً – الصحابي رضي الله عنه لما أصابه السهم حينما كان حارساً على فَمِ الشّعبِ، ومع ذلك صلى، وجرحه ينزف دماً؛ لأن نزيف السهام نزيف قوي مستحكم، فمثله لا يرقأ؛ ولذلك تكون هاتان الحالتان مستثنيتين من الأصل الذي يوجب غسل الموضع النجس.
قوله رحمه الله: [وتتوضأ لوقت كل صلاة]: ذكرنا الآن حكم الموضع وما يجب فيه من طهارة وهذا كله راجع إلى طهارة الخبث فبقي السؤال عن طهارة المستحاضة من الحدث، فبيّن رحمه الله: أنها تتوضأ لوقت كل صلاة أي عند دخول وقت كل صلاة، وهذا بعد إغتسالها عند إنتهاء عادتها، وهذا الغسل محل إجماع عند العلماء رحمهم الله، وهو غسل الحيض، وأما ما بعد الغسل مما ذكره المصنف رحمه الله من وضوئها لكل صلاة، فهو مسألة خلافية فيها ما يقرب من أربعة أقوال للسلف-رحمة الله عليهم-:
القول الأول: يجب عليها أن تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، وهذا هو مذهب جمهور العلماء-رحمة الله عليهم- من الحنفية في المشهور، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: يستحب لها الوضوء عند كل صلاة، ولا يجب، وبهذا القول قال المالكية، والظاهرية، وهو قول ربيعة بن أبي عبدالرحمن، الذي يسمى ربيعة الرأي-رحمة الله على الجميع- قالوا لا يجب عليها، ولكن يستحب لها الوضوء عند دخول وقت كل صلاة.
القول الثالث: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، وهو أشدّ الأقوال، ومأثور عن بعض أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - كعبدالله بن عباس-رضي الله عنهما- وإحدى الروايات عن علي-رضي الله عنه وأرضاه-، وأفتى به سعيد بن المسيب من فقهاء المدينة رحمه الله.
القول الرابع: أنه يجب عليها أن تغتسل في اليوم مرة واحد دون تعيين، وهو قول علي-رضي الله عنه وأرضاه-.
واستدل أصحاب القول الأول: بما ورد في صحيح البخاري في روايةٍ لحديث عائِشةَ رضي الله عنها في قصة فاطمةَ بنتِ أَبي حُبيشٍ رضي الله عنها، وفيها قوله: [وتَوضّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ] ومثله حديثها عند أحمد، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجة.
فقوله: [تَوضّئِي]: أمر يدل على وجوب الوضوء على المستحاضة عند دخول وقت كل صلاة، وهو معنى قوله: [لِكلِّ صلاةٍ].
وهذه هي أشهر الأقوال في المستحاضة.
أما الذين قالوا بغسلها لكل صلاة؛ فالروايات ضعيفة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بأمره للمستحاضة بالغسل، إلا ما ورد في حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل قال كما في الصحيح: [وكانتْ تَغْتَسلُ لكلِّ صَلاةٍ] قالوا: هذا يدل على وجوب غسل المستحاضة لكل صلاة، وهو مذهب من ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم؛ والصحيح أنه لا يجب، وأن اغتسال فاطمة-رضي الله عنها- كان اجتهاداً منها وليس بأمر النبي- صلى الله عليه وسلم - لها لأنه عليه الصلاة والسلام: إنما أمرها أن تغتسل عند إنتهاء عادتها فقط كما هو ظاهر القرآن، والأحاديث الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام.
أما الذين قالوا: بأنه يجب عليها طُهرٌ في يوم واحد فهناك أحاديث ضعيفة، وآثار إستدلوا بها لا تقوى على إثبات ما ذكروه.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله: أنه يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة على ظاهر ما ذكرناه من حديث فاطمةَ بنتِ أبي حُبيشٍ رضي الله عنه، عند أبي داود، والترمذي، وأحمد، والبيهقي، والحاكم، وصححه غير واحد، وسئل الإمام البخاري-رحمه الله- عنه فحسّن إسناده.
هذا حاصل ما يُقال في حكم المستحاضة من جهة طُهْرها.
وقوله رحمه الله: [وتُصلّي فُروضاً، ونَوافلَ]: وتصلي الفروض في الوقت؛ فتصلي فرض العصر، والظهر، والمغرب، والعشاء، والفجر كُلاً بحسب وقته.
فإذا توضأت لصلاة الفجر صلّت بهذا الوضوء الفرض، والنوافل، فابتدأت بركعتي الرّغيبةِ فصلّتهما، ثم ثَنّت بصلاة الفجر، ثم إذا توضأت لصلاة الظهر صَلّت الرّاتبة القبلية، والبعدية، وفرض الظّهر، والفروضَ المقْضِيّة، وسائر النوافل، والتطوع ما دام أن وقت الظهر لم ينته، وهكذا الحكم في بقية الصلوات.
¥