وعلى مذهب الجمهور تجلس أربعين يوماً، وما زاد فهو استحاضة، وليس بدم نفاس، وهو الراجح في نظري والعلم عند الله لورود السُّنة به، وليس لأقله حدُّ معين، فلو أن امرأة ولدت ثم جرى معها الدم لحظة واحدة، فأخرجت دفعة واحدة منه ثم انقطع عنها؛ حكمنا بكونها طاهرة؛ لأنه ليس لأقل النفاس حد معتبر.
هذا بالنسبة لأقل النِّفاس، وأكثره.
قوله رحمه الله: [ومتى طَهُرتْ قَبْلَه تَطَهَّرتْ، وصَلَّتْ]: قوله: [ومَتى طَهُرتْ قَبْلَهُ] يعني: قبل أكثر النفاس، فالضمير عائد إلى النّفاس، وقوله: [تَطهّرتْ، وصَلّتْ] أي: أننا نحكم بطُهْرِها، ومثال ذلك: امرأة ولدت في أول الشهر، واستمر معها دمُ النّفاس عشرين يوماً، ثم طَهُرت حكمنا بطهرها، فتغتسل، وتصلّي، وتصوم.
وقوله رحمه الله: [طَهُرتْ]: يعني رأت علامات الطهر، وهي إحدى علامتين:
الأولى: القَصّةُ البيضاء: وهي ماء أبيض كالجير تعرفه النساء، وهو الذي قصدته عائشة رضي الله عنها بقولها: [إِنْتَظِرْنَ لا تَعْجَلِنَّ حَتّى ترينَّ القَصّةَ البَيْضاءَ].
والثانية: الجفوف، والمراد به جفوف الفرج بحيث لو وضعت قطنة خرجت نقيّة لا دم فيها.
فإذا رأت إِحدى هاتين العلامتين قبل تمام الأربعين حكمنا بطهرها، فإذا رأت الدم كما قدمنا في المثال السابق عشرين يوماً، ثم رأت علامة الطهر حكمنا بطهرها، ثم إن لم يعاودها قبل تمام الأربعين يوماً فلا إشكال، وإن عاودها قبل تمام الأربعين فهي نفساء حتى تتم أكثر النفاس.
قوله رحمه الله: [ويُكْرَهُ وطْؤُها قَبلَ الأَربعين بَعْد التَّطْهِيرِ]: قال بعض العلماء: المرأة النفساء إذا طَهُرت قبل الأربعين لا تُوطأ، وهو رواية عن الإمام أحمد-رحمة الله عليه- إختارها جمع من أصحابه رحمهم الله.
ومنهم من قال إنه محمول على الكراهية، والجمهور على الجواز.
لكن ذكر بعض الأطباء فائدة، وهي أن الجماع قبل الأربعين يؤثر في الفرج، وأنه لا يرجع إلى طبيعته قبل الأربعين، ولذلك قال بعض الأطباء: الأفضل ألا يقع جماع، وذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى أن العلّة هي خوف رجوع الدم، ويكون إِنقطاع الطهر عندها مؤقتاً بمعنى اليوم، واليومين، وهذا يحدث فإن المرأة تكون نفساء، ثم تطهر بعد عشرين يوم، وفي اليوم الحادي والعشرين لا ترى شيئاً، ثم في اليوم الثاني والعشرين يعود عليها الدم، ولذلك قالوا: لا نأمن أنها مادامت داخل الأربعين أن الدم يعود إليها بعد أن إنقطع.
والقول بالجواز أرجح؛ لأنه هو الأصل، ولم يرد دليل في الشرع بالتّحريم كما قدمنا في وطء المستحاضة، وقد نقل عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قوله: [إِذَا صَلّتْ حَلّتْ] وهو يدلّ على أنه إذا حلّت الصلاة للمرأة حلّ وطؤها سواء كانت نفساء، أو حائضاً.
قوله رحمه الله: [فإِنْ عَاودَها الدّمُ فَمشْكُوكٌ فيه]: يعني إذا عاود الدّمُ المرأة النفساء بعد أن طهرت وقبل تمام الأربعين فمشكوك فيه بمعنى: أنه يحتمل أنه: نِفَاسٌ إستصحاباً للأصل، ويحتمل أنه: إستحاضة، ومشى المصنف رحمه الله على كونه مشكوكاً فيه، والأصل يقتضي إلحاقه بالنفاس؛ لأنه في أمده، ووقته وهو الراجح، لكن يُعتذر للقول المرجوح بأنها رأت علامة الطهر قبله فتنازعه الأصلان؛ فهذا هو وجه إعتباره مشكوكاً فيه.
قوله رحمه الله: [تَصُومُ، وتُصلّي، وتَقضِي الوَاجِبَ]: بناءً على الأصل، واليقين أنها طاهر، والدم مشكوك فيه فنلغي الشك، ونبقي على اليقين للقاعدة المشهورة [اليَقينُ لا يُزَالُ بِالشّك] فاليقين أنها مطالبة بفريضة الصلاة، والصيام، وشكَكْنا في سقوطهما؛ فبقينا على الأصل الموجب للمطالبة بهما، فهذا هو وجه مطالبتها بالصوم، والصلاة، وقد قدمنا أن الراجح أنه نفاس إن عاد قبل تمام أكثره.
قوله رحمه الله: [وهو كالحيْضِ فِيمَا يَحِلُّ، ويَحرُمُ، ويَجِبُ]: قوله رحمه الله: [وهو] أي: النفاس، وقوله: [كالحيض فيما يحلُّ، ويَحرمُ، ويَجِبُ] أي: أن النفاس يمنع ما يمنع منه الحيض، وقد تقدم بيان موانع الحيض، فالمرأة النفساء لا تصوم، ولا تصلي، ولا تدخل المسجد، ولا تلمس المصحف كما ذكرنا في الحائض، ويستثني من ذلك ما ذكره-رحمه الله- من قوله:
¥