تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله رحمه الله: [ولا تُوطَأُ إِلا مَعَ خَوْفِ العَنَتِ]: الجمهور على أنه لا حرج في وطء المرأة المستحاضة، وهو رواية عن الإمام أحمد، ولم يرد دليلٌ في الكتاب، ولا في السّنة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بالمنع، أو التحريم، والله-عز وجل- حرّم وطء المرأة الحائض، ولم يحرم وطء المستحاضة. قالوا: إن الأصل في المرأة أن يَستمتع بها الزوج، وهذا على ظاهر التنزيل في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ} (1) فإذا ثبت أن الأصل حل الوطء، وجاء عارضٌ، وهو دم الحيض، ونقلنا عن الأصل فإن هذا العارض الناقل يتقيّد بزمانِه، ومدة وجُودِه، فإذا زالَ، وانقطع رجعنا إلى الأصل الموجب لحلِّ الوطء، فهذا هو مسلك الجمهور أنه يجوز الوطء، وقال بعضهم: مع الكراهة.

وذهب بعض العلماء إلى أنه: يحرم عليه أن يطأها إلا إذا خشي العنت، والعنت: هو الزنا، يعني إذا خشي الوقوع في الزنا له أن يطأ الزوجة، ولا حرج عليه في ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله واختارها جمع من أصحابه رحم الله الجميع.

واستدلوا بقوله تعالى: {ويَسْأَلونَكَ عَن المَحيضِ قُلْ هُو أَذَىً} فقالوا: إن المراد بالأذى وجود الدم في الفرج فيؤذي الزوج، وأجيب بأن تخصيص الآية لدم الحيض، دون غيره دليلٌ على أن المراد التحريم حال وجود الحيض، دون غيره بدليل قوله: {حَتّى يَطْهُرنَ} فجعله أذى إلى غاية الطّهر، فلو كان دم الإستحاضة مثله لما قيّده بغاية الطُّهر لأن دم الإستحاضة يأتي بعد الطُّهر سواء كان الطُّهر حقيقة، أو كان حُكماً فصارت الآية دليلاً على الحلِّ؛ لا على التحريم.

ومما يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن حكم دم الإستحاضة، فلم يأمرْ مستحاضةً أن يعتزلَها زوجُها، ولا يجوز تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ، فلو كان وطؤها حراماً لا يجوز إلا عند خوف الزِّنا لبيّنه عليه الصلاة والسلام، فلما لم يأمر باجتناب المستحاضة دلّ على أنها قد حلّت لزوجها بطُهْرِها من الحيض كما يقول الجمهور رحمهم الله.

قوله رحمه الله: [ويُسْتحبُّ غُسلُها لِكُلّ صَلاةٍ]: يعني إذا دخل عليها وقت كل صلاة؛ فإنها يستحب لها أن تغتسل، أي تغسل البدن، ولا يجب عليها ذلك؛ لظاهر ما ذكرناه من فعل فاطمة-رضي الله عنها وأرضاها-.

قوله رحمه الله: [وأَكْثَرُ مُدّة النّفاسِ أَربعونَ يَوْماً]: شرع المصنف رحمه الله بهذه الجملة في أحكام دم النفاس، والنفاس: مأخوذ من النَّفْسِ، وتطلق النَّفْسُ في اللغة بمعان فيقال: نَفْسُ الشيء بمعنى ذاته، ومنه قولهم: رأيت محمداً نَفْسَه أي: بذاته، وتطلق النَّفْسُ بمعنى: الرّوح على خلاف بين أهل العلم هل هما بمعنىً واحد، أو مختلفان، وتطلق النَّفْسُ بمعنى: الأخ، ومنه قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (2)، وتطلق النَّفْسُ: على الدّم، ومنه ما ثبت في الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال لعائِشةَ رضي الله عنها لما حاضت بسرف: [مالكِ أنُفِسْتِ] أي هل أصابك دم الحيض؟ فلما كان الدَّمُ من أسمائه النّفْسُ؛ سُمّي النِّفاسُ نِفَاساً لذلك، من باب تسمية الشيء بسببه، والنفاس: هو (الدّم الذي يَخرجُ عَقيبَ الوِلادَةِ) فالمراد به دم الولادة، والفرق بينه، وبين دم الحيض أن دم الحيض دم مُعتاد، وهذا دم مخصوص بالولد يكون بعد خروجه من بطن أمه.

قال رحمه الله: [أَكثرُ النّفاسِ أربعونَ يَوْماً]: هذه مسألة خلافية، وللعلماء فيها قولان مشهوران:

القول الأول: الجمهور على أن أكثر النفاس أربعون يوماً، وهو قول عمر، وعثمان، وعلي، وعائشة، وأم سلمة رضي الله عنهم؛ وإستدلوا بما ثبت في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: [كَانتِ النّفساءُ تَجْلِسُ عَلى عَهْدِ رسولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - أَربعينَ يَوْماً] فدلّ على أنّ أكثَره أربعونَ يوماً.

القول الثاني: أكثر النفاس ستون يوماً، وهو مذهب المالكية، والشافعية، وقول عبدالرحمن الأوزاعي فقيه الشام-رحمة الله على الجميع-، وما جاوز الستين فهو استحاضة، وليس بدم نفاس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير