تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال المصنف رحمه الله: [فهذا مُخْتَصرٌ]: قوله رحمه الله (هذا) إسم إشارة، وهناك حالتان:

الحالة الأولى: أن يُشار إلى شيءٍ موجود، فحينئذ لا إشكال؛ لأنه الأصل فيها أنها اسم إشارة تدل على شيء موجود، فتقول: هذا البيت، فإذا كان المصنف رحمه الله قد كتب هذه المقدمة بعد فراغه من الكتاب، فحينئذ لا إشكال في إشارته بقوله (هَذا مُخْتَصرٌ)؛ لأنه موجود مكتوب.

والحالة الثانية: أن يشار بها إلى شيءٍ غير موجود من باب تنزيل المعدوم منزلة الموجود، فإذا كان المصنف رحمه الله كتب هذه المقدمة عند إبتدائه لتصنيف الكتاب؛ فإنه يكون قد نزّلَ المعدومَ منزلةَ الموجودِ، وقد درج كثير من العلماء رحمهم الله على ذلك أعني كتابة المقدمة عند إبتداء التصنيف والتأليف؛ لا بعد الفراغ منه، وقد يصرح بعضهم بذلك فيقول: (هذا أوان الشروع فيه) ومنهم من يفهم منه ذلك حينما يقول في مقدمته (وأسأل الله أن يعين على إتمامه)، وهذه الطريقة هي الغالبة بدليل أن الكتب، والشروح التي لم يتمُّها مؤلفوها كلها وجدت بمقدماتها.

وعليه فإن إشارته لكتابه على هذا الوجه بقوله (فهذا مختصر) يكون من باب تنزيل المعدوم منزلة الموجود، لأن الإختصار لم يحصل بعد، ولكنه قصد حصوله، واحتاج للتنبيه عليه؛ فنزّلة منزلة الموجود أي هذا الكتاب الذي سأكتبه مختصر في الفقه.

قوله رحمه الله: [مختصر]: الاختصار ضد الإسهاب، وإذا خاطبت النّاس في خطبة، أو كتبت لهم كتاباً، أو أردت أن تتحدث في موضوع، فلك ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون كلامك أكثر من المعنى، فالمعنى قليل، ولكن الكلام كثير.

الحالة الثانية: أن يكون كلامك أقلّ من المعنى، فالمعنى كثير، ولكن تأتي بكلمات قليلة تحتها معان كثيرة، وهذه الحالة عكس الحالة الأولى.

الحالة الثالثة: أن تأتي بكلام على قدر معناه.

هذه ثلاث حالات: إما أن تخاطب بكلام، ويكون معناه مساوياً، أو أكثر، أو أقل.

فإن كان الكلام كثيراً، والمعنى قليلاً؛ فإنه يُوصف بكونه إطناباً، ولذلك يقولون أطنب في الأمر، وهذا مذموم؛ إلا في حالات خاصة، فلا يكون إلا في خطاب ضعاف الفهم من الجهلة، والعوام الذين يحتاجون إلى شرح، فتكون المعاني قليلة، ولكنها تُشْرح بكلامٍ كثيرٍ، أما إذا خاطب علماء، أو طلاب علم فالمنبغي أن يكون على إحدى حالتين:

الحالة الأولى: أن يخاطبهم بكلام مساوٍ لمعناه، وهو ما يسمونه بالمساواة.

والحالة الثانية: أن يخاطبهم بكلام مختصر دالٍ على معانٍ كثيرة، وهو ما يسمى بالإيجاز، والإختصار وهذه الحالة هي الأفضل إن ناسبت المقام، وقد عُدَّت من دلائل الإعجاز في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث إنَّ الله خصَّ نبيَّه عليه الصلاة، والسلام بها كما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: [أُوتِيتُ خَمْساً لم يُعْطَهنَّ أحدٌ قبلي]، وذكر منها جوامع الكلم، وأنّه اختُصر له الكلام إختصاراً.

فكم من آيات قليلة الكلمات، وتحتها من المعاني، والدلالات الكثير، كما في آية الوضوء التي ذكر الإمام ابن العربي رحمه الله في تفسيرها في كتابه أحكام القرآن أن من العلماء من إستنبط منها ثمانمائة مسألة، وهكذا في أحاديثه عليه الصلاة والسلام التي جعلت أصولاً، فجمعت مسائل كثيرة في كلمات قليلة يسيرة؛ كقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: [إِنّما الأعمالُ بالنّياتِ]، ونحوه.

فقوله رحمه الله: (إِخْتَصرتُه) محمولٌ على الإيجاز، وأن الكلام قليل، والمعنى كثير، ومن عادة الفقهاء رحمهم الله في تصنيفهم للمتون الفقهية أن يراعوا فيها الإختصار، والإيجاز، بخلاف الشروح، والحواشي، والمطولات.

قوله رحمه الله: [في الفقه] بيان للعلم الذي ينسب إليه هذا المختصر، لأن المختصرات منها ما هو في علم العقيدة، ومنها ما هو في علم الفقه، ومنها ما هو في علم الأصول، أو اللغة، أو غيرها، فلما قال في الفقه بيّن العلم المصنّف فيه، وهو العلم الذي يريد إختصاره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير