تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا أتيت إلى مثل الحافظ ابن حجر والنووي وأشباه هؤلاء، فإنه من جهة الاستنباط سيدخلون في النظر، هل هذا اللفظ من ألفاظ العموم أم لا؟ هل المفهوم يخصص أم لا؟ هل مفهوم المخالفة معتبر في هذا أم لا؟ هل الدلالة دلالة نصية أو دلالة ظاهر؟ هل ينسخ هذا هذا أم لا؟ فيرى طالب العلم الذي ليس عنده مشاركة في كتب أهل العلم في الأصول، يرى أن ما ذكره شارح الحديث أرجح مما ذكره الفقيه، لِمَ؟ لأن هذا يشرح كتاب الحديث ويعتمد على السنة وذاك يعتمد على كتاب المذهب، وهو في الواقع ليس الأمر كذلك، لأن هذا وهذا جميعاً يتأثر في الاستنباط والنظر بأصول الفقه التي دَرَسَها. وهي أصول مذهبه.

فالنووي وابن حجر رحمهما الله تعالى في الاستنباط في أكثر المسائل بل في جل المسائل هم تبع للشافعية، ويأتي الناظر ويقول: رجّحه النووي، ويذهب عن قول ابن قدامة مثلاً أو يذهب عن قول فلان من الحنفية أو غيره باعتبار أن ذاك ينصر مذهبه لأنه رأى القول في كتاب فقهي، وهذا لن ينصر مذهبه باعتبار أنه وجده في كتاب شرح مسلم أو البخاري أو غير ذلك، هذا من عدم معرفة الفرق بين كتب الفقه وكتب الحديث.

في كثير من المسائل يأتي طالب العلم وينقل أقوالاً عن الحافظ ابن حجر أو عن النووي، حتى في صورة المسألة، حتى في نوعية النظر في الخلاف، وإذا تأمل وتوّسع وجد أنهم نقلوها من كتب الفقه الشافعية، وعلماء الشافعية رحمهم الله تعالى خدموا كتب الحديث، ولهذا صارت ترجيحات المحدثين المتأخرين - أو الناظر في كتب الحديث من المتأخرين - تبعاً لترجيحات الشافعية لأنهم خدموا كتب الحديث أكثر من غيرهم. خدمة الحنفية لكتب الحديث قليلة، خدمة الحنابلة لكتب الحديث أقل، وهكذا.

فإذا طالب العلم الذي يريد أن يؤسس نفسه من جهة النظر - بدون أن يكون يوماً بالخليصا ويوماً بحزوى - يكون دقيقاً في النظر في أنه ينظر في كتب الفقه وكتب الحديث ويعلم هذه ما مميزاتها، وهذه ما مميزاتها وحتى تصل إلى منهجية دقيقة في هذه المسألة فرتب نفسك في مراحل:

المرحلة الأولى: أنه إذا عرضت لك المسألة في كتب الحديث، فاطلب تصورها من كتب الفقه، لأن تصوير شروح الحديث غالباً ما يكون ناقصاً، بناءً على أن الناظر في هذا الكتاب - وهو كتاب فيه الخلاف والترجيحات - ليس من الطلاب المبتدئين، خلاف حال كثيرين من الشباب أو طلبة العلم الصغار، فإنه يقبل على هذه الكتب المطولة وهو لا يعرف صورة المسألة أصلاً أو مقدماتها في كتب الفقه، فأولاً تطلب صورة المسألة من كتب الفقه، ثم تنظر في كتب الفقه ما دليل المسألة؟ فإن كان دليلها من القرآن فهذه ظاهرة، في أنك لن تجد الكلام مفصلاً عليها في كتب الحديث إلا إذا كان ثم حديث يدل عليها، فإذا كان دليلها من القرآن فتحتاج إلى كتب أحكام القرآن، كتب أحكام القرآن كل كتاب تبع لمذهبه، أحكام القرآن للقرطبي مالكي، أحكام القرآن للكيا الهراس شافعي، أحكام القرآن للجصاص حنفي، أحكام القرآن لعبد الرزاق الرسعني حنبلي، وهكذا. فإذاً هناك تأثيرات أيضاً من هذه الجهة، فلا يظن الظان أنه بوجود المسألة في كتاب أحكام القرآن فإنه خلص المؤلف فيها من التقليد، ليس كذلك، بل تجد أنهم ينصرون مذاهب فيها الدليل واضح من الكتاب، لكن يدخلون في النظر منه من جهة أصول الفقه، فينصرون المذهب الخاص لقناعتهم بذلك. من جهة الدليل والاستدلال.

فإذا صورة المسألة أولاً أخذناها ثم يليها دليلها، فإن كان من القرآن فظاهر. إذا كان من السنة فتنظر إلى قول شارح كتاب الفقه، وبعده تنظر إلى قول علماء الحديث وشراح الحديث في كتبهم، فيكون النظر في كتب أهل الحديث المطولة نظر في هل إيراد هذا الكتاب - الكتاب الفقهي - لهذا الدليل والاستدلال كاملاً أم غير كامل؟ هل الأسانيد صحيحة أم لا؟ هل الدليل صحيح من جهة النقل أم لا؟ ثم النظر في الدلالة، هل هي كما قال أم لا؟ فيكون في هذه المرحلة تخدم كتب الحديث كتب الفقه ويكون الناظر في كتب الحديث مؤصلاً في المسألة الفقهية بعد معرفة دليلها.

المرحلة الرابعة: أن ينظر في الدليل إذا كان من جهة القواعد، القواعد - كما ذكرنا - قسمان: قواعد متفق عليها وقواعد مختلف فيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير