ب - الحيل والمخارج للحصاف الحنفي.
ج - الحيل في الفقه للقزميني الشافعي.
ومما يدعو للاستغراب أن الذي اهتم بإحياء هذا النوع من التراث هو المستشرق اليهودي الألماني يوسف شخت، فقد نشر على مدار سبع سنوات الكتب الثلاثة السابقة بعد أن كانت في دار لفها النسيان، ودخلت دائرة الإهمال؛ لزهد الفقهاء فيها، وعدم اعتبارها من الفقه.
ويطرح الباحث محمد بن إبراهيم عدة تساؤلات حول اعتناء المستشرق اليهودي (شخت) بنشر كتب الحيل دون غيرها، أو على الأصح قبل غيرها من كتب الفقه.
هل هو المساهمة في إحياء التراث الإسلامي وتقديمه وخدمته خدمة علمية ونشر ما اندثر منه أوكاد؟
أم لأن في كتب الحيل طرافة وجودة رأي واستنباط؟
أم لأنه يريد أن يربط بين الفقه الإسلامي وماضي أجداده أصحاب السبت الذين أخبر الله تعالى عنهم بقوله سبحانه: إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163) {الأعراف: 163}، حيث ابتلاهم ربهم بسبب احتيالهم على حدود الله تعالى ونواهيه؛ إذ حضروا الحضائر يوم الجمعة لتقع فيها الحيتان يوم السبت، وتصاد يوم الأحد كذلك الذين حرمت عليهم شحوم البقر والغنم فأذابوها، وباعوها، وأكلوا ثمنها حتى ورد لعنهم على لسان صاحب الشرع؛ ليقول هذا المستشرق اليهودي للعالم: "هاهو الفقه الإسلامي، والدين الإسلامي، يسارعنا، ويتابعنا في التحيل على أحكام الله تعالى، والتملص من التكاليف الشرعية، وليس وحدنا المختصين بالحيل والخداع من بين الناس؟! (3) قلت: الأخير هو الأقرب فهذا المستشرق مثله مثل أكثر المستشرقين - مع أن قلة منهم كانت منصفة - يهتمون بنشر الكتب التي كانت موضع نقد من العلماء، حتى أن بعضها قد نفي تماماً، فنقبوا عنها وأخرجوها، ومنها: كتب الفرق الضالة، كالمعتزلة وغيرهم؛ لمحاولة تشويه التراث الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى محاولة تجديد الفتنة التي عفى عليها الزمن وإحيائها من جديد.
ومن تأمل هذه الكتب وجدها أقرب إلى كتب الطرف والنوادر، من كتب التأصيل والتقعيد الفقهي.
متى ظهرت الحيل؟!
لم تعرف الحيل في عهد الرسول {، ولا في عهد صحابته الكرام رضي الله عنهم؛ بل إن النبي {أقفل بابها بمثل قوله {: "لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" (4).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهذا نص في تحريم الحيلة المفضية إلى إسقاط الزكاة، أو التنقيص منها بسبب الجمع والتفريق، فإذا باع بعض النصاب قبل تمام الحول تحيلاً على إسقاط الزكاة أو التنقيص منها بسبب الجمع أو التفريق، فقد فرق بين المجتمع فلا تسقط الزكاة عنه بالفرار منها (5).
ومثل: لعنه {للمحلل والمحلل له وإذا رجعنا إلى القرآن، الكريم نجد أن الله تعالى حذر منها بقوله تعالى: ولا تمنن تستكثر 6 {المدثر: 6}.
ونقل القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى الآية: "لا تعطي الهدية تلتمس بها أكثر منها" (6).
فالآية تدل على تحريم الهدية إذا قصد بها مهديها أخذ أكثر منها. وهي هدية الثواب فاعتبر ذلك القصد حيلة للربا أو لأخذ أموال الناس بالباطل أي: بالتحيل، إلا أن يكون على سبيل التبرع.
أما الصحابة رضي الله عنهم فقد كرهوا الحيل، ونفّروا منها، ونقل عن كثير منهم التحذير منها، والقول ببطلانها.
وقد سار التابعون في هذا على سير الصحابة، وكذلك من أتى بعدهم من تابعي التابعين وتابعيهم، أنكروا الحيل إنكاراً شديداً، واشتد قولهم على من أفتى بجوازها.
فمتى ظهرت الحيل إذن؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أما الإفتاء بها وتعليمها للناس، وإنفاذها في الحكم، واعتقاد جوازها؛ فأول ما حدث في الإسلام في أواخر عصر صغار التابعين بعد المائة الأولى بسنين كثيرة، وليس فيها ولله الحمد حيلة واحدة تؤثر عن أصحاب رسول الله {، بل المستفيض عن الصحابة أنهم كانوا إذا سئلوا عن فعل شيء من ذلك أعظموه وزجروا عنه (7) أ. ه.
وأشار ابن القيم إلى أن أكثرها من وضع وراقي بغداد، وقد سبقه لهذا الحكم الجوزجاني عندما أنكر نسبة كتاب الحيل لمحمد بن الحسن وقال: "من قال إن محمداً رحمه الله صنف كتاباً في الحيل فلا تصدقه، وما في أيدي الناس فإنما جمعه وراقو بغداد" (8).
¥