تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المعلوم أن الولاية الشرعية تقوم على ركنين أساسيين: القوة والأمانة، وإلى ذلك أشار الذكر الحكيم: {قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]. وقيل: إن الخليفة الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ قد استدلَّ بهذه الآية لوصية المسلمين بتولية عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ من بعده، وتعقَّب أبو بكر ابن العربي ذلك على بعض المفسرين فقال: (وليس كذلك فيما نقلوه؛ لأن الصدِّيق إنما ولّى عمر ـ رضي الله عنه ـ بالتجربة في الأعمال، والمواظبة على الصحبة وطولها، والاطِّلاع على ما شاهد منه من العلم والمنة) (4)، ولا يستبعد ـ في تقديرنا ـ أن يكون الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ قد نظر إلى قوة عمر ـ رضي الله عنه ـ وأمانته، كما أخذ بالتجربة والخبرة والمعاشرة الطويلة مع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، فوجد في توليته أمورَ المسلمين هو الأصلح بالنسبة لهم، وكان أبو بكر الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ هو الإمام الواجب الطاعة في حينه، فاختار الأصلح لهم في ذلك، وكان موفّقاً أشدّ التوفيق في ذلك.

? (الأصلح) في السنة النبوية:

أما في السنة النبوية؛ فالأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد اهتمَّ مصنِّفو كتب الحديث بذلك، وأفردوا أبواباً في الصلح بوجه عام؛ فقد روى البخاري ـ رحمه الله ـ في كتاب الصلح من صحيحه، باب: فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين الناس صدقة» (1)، والشاهد من الباب الحديث الذي تضمَّنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يعدل بين الناس صدقة»، قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ: (والعدل بين الناس إما في الحُكْم بينهم أو في الإصلاح) (2)، ويعني بالإصلاح هنا: سياسة أمور دنياهم بما فيه خيرهم وفلاحهم.

ويبدو من خلال سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان حريصاً على جعل الإصلاح السِّمَة التي يتفق عليها المسلمون في علاقتهم ببعضهم، خاصة عند البيعة وعقد العهود؛ فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار على أن يعقلوا معاقلهم ويفدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين» (3).

والأصلح يكون في طاعة الله ـ تعالى ـ ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، ويكون ذلك حسب الطاقة، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا أمرتكم بأمرٍ فَأْتوا منه ما استطعتم» (4)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ في هذا المعنى): (فمن أدّى الواجب المقدور عليه فقد أطاع الله ورسوله، لكن إن كان منه عجز بلا حاجة إليه أو خيانة عُوقب على ذلك) (5). ووفق هذه القاعدة الشرعية سارت سنته الشريفة في اختيار الأصلح للأمة؛ سواء كان ذلك من حيث الأفراد أو المواقف التي تقدَّم فيها مصلحة الأمة على غيرها.

ومما لا شك فيه أن المجتمع لا يصلح إلا بصلاح الدِّين، وكان هذا هو الأساس الذي كان عليه منهج النبوة، فكانت ولاية الدين والدنيا متلازمة، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميراً على الحرب كان هو الذي يُؤمر للصلاة بأصحابه، وكذلك الحال إذا استعمل رجلاً نائباً على المدينة، كما استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، ولما بعث معاذاً ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن قال: «يا معاذ! إن أهم أمرك عندي الصلاة»، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: (فإذا أقام المتولي عماد الدين فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي التي تعين الناس على ما سواها من الطاعات) (6)، كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، وقال ـ سبحانه وتعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]. وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]. وقال ـ تعالى ـ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير