تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. [الذاريات: 56 - 58]

ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن واجب الإمام يتمثل في شيئين، الأول: إصلاح أمور دينهم، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم (7).

وقد سار الخلفاء الراشدون ـ رضي الله عنهم ـ من بعده على نهجه؛ فهذا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كتب إلى عمّاله: «إنما بعثت عمّالي إليكم ليعلموكم كتاب الله، وسنة نبيكم، ويقسموا بينكم فيئكم» (8)، ولما تغيَّرت الرعية تغيَّر الراعي. وأفضل الرعاة هم القائمون بشرع الله تعالى، السائرون على نهج النبوة في ذلك؛ لأن إقامة أركان الإسلام من صلاة وصيام وحج وزكاة لا تقوم إلا بوجود الإمام الذي يحث على ذلك، وقوّام بين الناس بالقسط والعدل؛ فعن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أحب الناس إلى الله ـ عز وجل ـ يوم القيامة، وأقربهم منه مجلساً إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة، وأشده عذاباً إمام جائر» (1)، والأحاديث في هذا الباب معلومة.

أما فيما يخص أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب؛ فإن حادثة الحديبية أفضل مثال يمكن أن نقف عنده؛ إذ خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة السادسة للهجرة يريد زيارة البيت معتمراً، لا يريد قتالاً، وساق معه سبعين بدنة، وكان معه من أصحابه سبعمائة نفس، فمنعت قريش النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من العمرة تلك السنة، واختار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعود إلى المدينة دون عمرة؛ وفقاً للاتفاق مع قريش، فأثار ذلك حفيظة بعض الصحابة، منهم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ألستَ نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلِمَ نعطي الدّنية في ديننا إذن؟، قال: إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري» (2)، ولم يكن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يدرك أن الأصلح للمسلمين في تلك المرحلة هو الصلح الذي عقده النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قريش، وقد اتضحت فوائد هذا الصلح فيما بعد، فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن جاء من بعده من الأئمة اختيار الأصلح للأمة، وإن كان ذلك لا يوافق ميول الرعية.

? الخلاصة:

إن مفهوم (الأصلح) في السياسية الشرعية يستند إلى أصول ثابتة من الكتاب والسنة، وقد تناولها عدد من العلماء الذين كتبوا في السياسة الشرعية، ولكن كان لشيخ الإسلام ابن تيمية قصب السبق في تأصيل هذه القاعدة الشرعية وتيسيرها في يدِ الأمراء والولاة، ويمكن إيجاز أهم هذه القواعد الشرعية وفق التالي (3):

1 ـ الواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها؛ فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قُدّم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضرراً فيها؛ فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع ـ وإن كان فيه فجور ـ على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أميناً، كما سئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن رجلين يكونان أميرين في الغزو، وأحدهما قوي فاجر، والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يُغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوّته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه للمسلمين، فيُغزى مع القوي الفاجر.

2 ـ استعمال الرجل لمصلحة راجحة مع وجود من هو أفضل منه؛ فقد أمّر النبي - صلى الله عليه وسلم - مرةً عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ في غزوة ذات السلاسل على من هو أفضل منه؛ استعطافاً لأقاربه الذين بعثه إليهم. وأمّر أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ لأجل ثأر أبيه. وكذلك فعل خلفاء النبي الراشدون من بعده؛ فقد استعمل أبو بكر الصديق خالد بن الوليد ـ رضي الله عنهما ـ في حروب أهل الردة، وفي فتوح الشام والعراق على هفوات كان له فيها تأويل، فلم يعزله لأجلها، بل عاتبه ونبّهه إليها؛ لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه.

3 ـ أما في باب القضاء فيقدَّم الأعلم الأورع الأكفأ، فإن كان أحدهما أعلم، والآخر أورع، قُدّم الأورع فيما قد يظهر حكمه ويخالف فيه الهوى، وفيما يدقُّ حكمه ويخاف فيه الاشتباه يُقدّم الأعلم؛ ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات» (4).

4 ـ وأهم ما في هذا الباب - نعني: معرفة الأصلح كما قرّره شيخ الإسلام - هو معرفة مقصود الولاية، ومعرفة طريق المقصود؛ فإذا عرفت المقاصد والوسائل تمَّ الأمر، فلهذا لما غلب على أكثر الملوك قصدُ الدنيا دون الدين، قدَّموا في ولايتهم من يعينهم على تلك المقاصد، وكان من يطلب رئاسة نفسه يؤثر تقديم من يقيم رئاسته، ولذلك فالمقصود الواجب في الولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى خسروه خسروا خسراناً مبيناً.


(1) لسان العرب، مادة: صلح.
(2) السياسة الشرعية، ص 13.
(1) منهاج السنة النبوية: 1/ 462.
(2) تفسير القرطبي: 7/ 364.
(3) تفسير ابن كثير: 2/ 427.
(4) تفسير القرطبي: 9/ 160.
(1) صحيح البخاري: رقم 2560.
(2) جامع العلوم والحكم، ص 407.
(3) مسند الإمام أحمد: 1/ 271.
(4) صحيح البخاري: كتاب: الاعتصام بالسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم 6744. وصحيح مسلم: كتاب: الفضائل، باب: توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك سؤاله عما لا ضرورة إليه، رقم 4348.
(5) السياسة الشرعية: ص 15.
(6) السياسة الشرعية، ص 22.
(7) السياسة الشرعية، ص 23.
(8) المستدرك، الحاكم، 4/ 485.
(1) مسند الإمام أحمد: 3/ 22.
(2) صحيح البخاري: كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، رقم 2529.
(3) السياسة الشرعية، ص 9 وما بعدها.
(4) مسند الشهاب: 2/ 152.

انتهى ..
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير