الأخ الفاضل حسن: أنبه عليكم في البداءة أن كلامي هذا ليس على صيغة الجزم والقطع، ولكن الأمر مدارسة فقط لا أكثر و لا أقل، وقد يكون خطأ وقد يكون صوابا.
الذي أظنه هو أن هذا الابن ابنها على قول كثير من الفقهاء؛ لأننا سنقيسها على البكر التي نزل منها لبن، وقد رجح كثير من الفقهاء أن لبن البكر يحرم.
*قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله في البحر الرائق: " (قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْبِكْرِ، وَالْمَيِّتَةِ يُحَرَّمُ) أَيْ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أَمَّا لَوْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَرْضَعَتْ الْبِكْرُ صَبِيًّا صَارَتْ أُمًّا لِلصَّبِيِّ وَتَثْبُتُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ الْبِكْرُ رَجُلًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّبِيَّةَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الرَّبَائِبِ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا .......... "
*وقال النووي رحمه الله في روضة الطالبين وهو يتحدث عن الرضاع: " سواء كانت المرضعة مزوجة أم بكراً أم بخلافهما وقيل لا يحرم لبن البكر والصحيح الأول ونص عليه في البويطي."
وأيضا فالعلة من التحريم في الرضاع هي أن اللبن جزء من المرأة أخذه الرضيع، *كما قال الإمام النووي رحمه الله: " وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ أَنَّ اللَّبَنَ جَزْءُ الْمُرْضِعَةِ وَقَدْ صَارَ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّضِيعِ فَأَشْبَهَ مَنِيَّهَا فِي النَّسَبِ "
وهذه العلة موجودة في حالتنا هذه.
لكن من العلماء من يشترط كون اللبن ناتجا عن حمل كما هو المشهور عند الحنابلة، وعن الإمام أحمد رضي الله عنه رواية أخرى بأن اللبن إذا نزل للبكر إن كانت فوق تسع سنين أنه يحرم:
قال المرداوي رحمه الله في الإنصاف: " قَوْلُهُ (وَإِنْ ثَابَ لِامْرَأَةٍ لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ تَقَدَّمَ).
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ: أَوْ مِنْ وَطْءٍ تَقَدَّمَ.
(لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ.
نَصَّ عَلَيْهِ فِي لَبَنِ الْبِكْرِ).
وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ.
فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ.
قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ حَقِيقَةً، بَلْ رُطُوبَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ.
لِأَنَّ اللَّبَنَ مَا أَنْشَزَ الْعِظَامَ، وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ.
وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَعَنْهُ: يُنْشِزُهَا.
ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى.
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.
قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ.
وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.
قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَحْرُمُ لَبَنُ غَيْرِ حُبْلَى، وَلَا مَوْطُوءَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَنْشُرُ: فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا.
صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَغَيْرِهِ.
.
لِقَوْلِهِ " وَإِنْ ثَابَ لِامْرَأَةٍ "."
لكن الإشكال سيكون في زوج المرأة التي أرضعت دون حمل هل يعد أبا للرضيع؟؟ عثرت على هذا النص في المدونة لسحنون المالكي رحمه الله حيث بقول:
* " قُلْتُ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَتُرْضِعُ صَبِيًّا قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَ دَرَّتْ لَهُ فَأَرْضَعَتْهُ وَلَمْ تَلِدْ قَطُّ وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ، أَيَكُونُ اللَّبَنُ لِلزَّوْجِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنَّهُ لِلْفَحْلِ "
لكن ما يجعل الأمر مشكلا هو ما ذكرته الأخت توبة ويبدون أنها طبيبة أن الزواج لا دخل له مطلقا بنزول اللبن؛ فلذلك الذي يظهر أن الزوج لن يكون أبا للرضيع؛ لأن أمه أشبهت مالو أرضعته وهي بكر، فالعبرة ليست بأن الزوجة أرضعت الرضيع وهي متزوجة من فلان بل العبرة أن فلانا هو صاحب اللبن وهو سببه.
مثال: امرأة طلقها زوجها وهي حامل، وبعد ولادتها انقضت عدتها، فتزوجت من إنسان اّخر، وأثناء فترة رضاعها أضعت ولدا اّخر، فإن هذا الرضيع سيكون ولدا لزوجها الأول صاحب الللبن، وليس لزوجها الحالي وإن تم الرضاع وهي معه.
فهذا فيما أ {ى هو موضع البحث، أما موضوع الأم فالمسألة مبحوثة من القدم، وللعلماء فيها قولان كما ذكرنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم.
¥