والقاعدة الثانية التي تندرج تحت قول الله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فالتيسر على الزوجة أن نحكم بفصلها عن زوجها الغائب ومنحها الفرصة للبدء من جديد في حياة أخرى مما ييسر عليها في دنياها ويحفظ لها آخرتها.
من خلال هاتين القاعدتين الشرعيتين السابقتين فإن من الأفضل أن نبيح للزوجة الغائب عنها زوجها الزواج بغيره إذا تحققت الشروط في الفقد وفي المدة وفي التحري والتدقيق وحصول غلبة الظن على هلاك الزوج وهذا الحكم يتمشى مع القواعد الشرعية العامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15)
ثانيا:
المقاصد العامة للشريعة الإسلامية
والتي تقوم على حفظ الضروريات الخمس وهي (حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ المال، حفظ النسل، حفظ العقل) فإذا وضعنا هنا أن بقاء المرأة دون زوج قد يسبب لها ضياع دينها نتيجة وقوعها في الرذيلة فإن للمرأة أن تقدر حالها وليس أحد أخبر من المرء في نفسه فإن أحست المرأة من بقائها دون زوج سيعرضها للفتن لها أن تطلب فك رباط الزوجية بسبب فقدان الزوج وما يسبب به من ضرر.
فإن قيل إن في اعتبار الزوج المفقود في حكم الميت ضياع لماله أجبنا كما أجبنا في أول مرة أن هذا الأمر لا يحكم به إلا بعد التحري والتدقيق.
ثالثا:
السياسة الشرعية في المسألة
إن السياسة الشرعية للعباد بتصريف شؤون حياتهم وفق القواعد العامة للشريعة الإسلامية هي من أهم مسؤوليات الحاكم المسلم أو من ينوب عنه في تصريف شؤون العباد، وليس كل المسائل التي تعرض على ولى الأمر تعرضت لها نصوص الكتاب والسنة على وجه التفصيل، فقد يطرأ طارئ على الأمة لم يكن موجودا من قبل فلابد للحاكم أن يحكم بالمسألة بما يوافق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
وهذه المسألة بالذات وقعت في زمن عمر فاجتهد بها في إمهال الزوج أربعة أعوام ثم التفريق بعد ذلك بينهما واعتداد الزوجة عدة الوفاة، فهذه المسألة هي من مسائل السياسة الشرعية التي ترك للحاكم الفصل فيها والاجتهاد في حلها بما فيه مصلحة المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16)
وما أرجحه أنا بعد عرض كل ما سبق ما يلي:
أولا: يجوز التفريق بين الزوجة وزوجها الغائب غيبة تحدث لها الضرر نتيجة طول الغيبة وعدم معرفة حال الزوج.
ثانيا: على القاضي أن يتحقق من حقيقة حياة أو موت الزوج وذلك بالطرق الممكنة عنده وفي زماننا يمكن أن يتحقق بسهوله أكثر من الزمن السابق لتوفر وسائل الاتصال المتعددة.
ثالثا: لا تعتد الزوجة من تلقاء نفسها فلا بد من تدخل الحاكم في قرار اعتبار الزوج في عداد الأموات أو الأحياء.
رابعا: الزمن الذي يعتبر فيه الزوج ميتا، أرى أن يترك للحاكم أو من ينوب عنه لاختلاف الأمكنة والأزمنة فمن يفقد في أدغال إفريقيا مثلا ليس كذي يفقد في القاهرة الأول فقد في مكان لا وجود لوسائل الاتصال فيه بل إن الغائب فيه قد يحتاج إلى سنين للإستبانة لحاله، أما الثاني فإمكان التحقق من حاله أهون وأيسر ولا يحتاج المدة نفسها التي يحتاجها الأول، فلا يمكن أن نمهل الأول نفس الزمن الذي نمهله للثاني.
أما بالنسبة للأزمنة فليس المفقود زمن الحرب كالمفقود زمن السلم وليس المفقود قبل ألف عام كالمفقود في زماننا الحاضر وليست مدة التحقق من الوفاة واحدة بكل الأحوال.
خامسا: وعلى الحاكم أن ينظر في حال المفقود من كبر السن ومظنة الهلاك فليست للقوي كالضعيف وحال المرأة فالصغيرة ليست كالكبيرة والتي تعيش في مجتمع اسلامي محافظ ليست كمن تعيش في مجتمع كافر متحرر من القيم الأخلاقية.
وخلاصة القول أنه يجوز للمرأة التي غاب عنها زوجها ضمن الشروط التي يعد فيها غائبا غيبة يغلب فيها الظن بموته أن تتزوج من غيرة.
ويترك تحديد المدة والكيفية والتحقق في الموت للحاكم أو من ينوب عنه وله أن يحكم بحسب ما يراه مناسبا للشريعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17)
الخاتمة
¥