تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحقيقة اللائحة لكل ذي بصر وبصيرة هي أن الناس لم يكونوا في حاجة إلى مثل هذه "الفتوى" المتعجلة، بل كانوا في مسيس الحاجة إلى تصحيح عقائدهم وتعليق قلوبهم بالله U وحده، وانتزاع الخرافات من عقولهم والأوهام من نفوسهم.

وكما ينبغي على المسلم الحذر من التعرض للسحر وإتيان السحرة، فعليه أن يحذر -ويبالغ في ذلك- من تعرضه لوهم الإصابة بالسحر، فهذا اضطراب نفسي معروف وهو أعظم ضررا من السحر نفسه. وهو الذي يقف خلف معظم هذه الحالات المستعصية التي استدعت مثل هذه "الفتوى"، والتي أفرزها القلق والخوف والجهل بهذا العالم الأسود، ثم الإغراق في التعلق بالسحر لتبرير الفشل وحل المشكلات، إضافة إلى غموض هذا العالم والوهم المحيط به وما يكتنفه من خرافات. وزاد الطين بلة بعض الممارسات داخل الرقية كـ (القراءة الجماعية) واتخاذ الرقية وسيلة (للتشخيص والكشف)، وهي الرقية الفاحصة، وبدعة (أعراض السحر) التي تفنن فيها الرقاة وافتتن بها المسترقون.

وعندما قيل: إن هذه الحالات لم تشف بالرقية، كان هذا الوصف مطابقا للواقع. ذلك لأنهالم تكن حالة سحر حقيقية، وإنما هي إيحائية يعاني أصحابها وهم الإصابة بالسحر، انتقلت إليهم الأعراض والأمراض خلال عملية نفسية هي: الإيحاء الذاتي أو الغيري، فليس السحر إلا وهما حلّ في العقول ووسوسة قامت بالصدور. ولهذا لم تجْد معهم رقية الراقي ولا دواء الطبيب، فلجأوا إلى الساحر يلتمسون عنده الشفاء!. ومثل هذه الحالات الإيحائية هي مجموع أو جل الحالات المستعصية التي زُعم أنها لم تشف بالرقية الشرعية. وتولدُها عوامل مختلفة متداخلة لدى الشخص، على رأسها نمط الشخصية الإيحائية والبيئة الخرافية وعدم الاتزان النفسي ومستوى الوعي الضئيل والعقلية السطحية والخبرات السيئة ومصادر الضغوط من حوله إلخ ... وعلاجها في عزل هذه العوامل، وقراءتها قراءة موضوعية تركز على تاريخ "المرض" وتربط المقدمات بالنتائج.

لهذا أقول: إن أول مطعن في الفتوى أنها تركبت من خطأين: أولاهما: الخطأ الشرعي المتمثل في تجويز هذا العمل الشيطاني وهو حل السحر بمثله، وهذا الذي جاء الرد عليه من طرف العلماء. وثانيهما: الخطأ المعرفي في إدراك حقيقة هذه الحالات إدراكا دقيقا، وبلغة الفقهاء: مناط الفتوى لم يتحقق.

وتتجلى صعوبة التعامل مع الوهم في كون المتوهم يتعامل مع ما يشعر به على أنه حقائق لا أوهام، فهو لا يتخيل الأعراض بل واثق منا، ولا يشعر بها فقط بل يعيشها بكل حواسه، ولهذا لا تجدي معه النصائح ولا تنفع معه محاولة (إقناعه) بتجاهل ما يحصل له، بل لا بد له من دواء مناسب.

إذن أصحاب الحالات التي استدعت هذه "الفتوى" هم مسحورون ولا سحر هناك، هم ضحايا ما أسميته بالرقية الفاحصة، ولم تكن سوى حالات نفسية تولدت عن إيحاء ذاتي أو غيري، تبلوره عوامل شخصية وبيئية، يختلف من شخص إلى آخر ويزداد تفاقما مع الوقت إذالم يحتوه العلاج المناسب. وأضراره على النفس والجسد فادحة جدا. ولهذا أنصح بترك الاستعجال في تصنيف الحالة على أنها سحر، ذلك أن الأشياء ليست دائما كما تبدو عليه في الظاهر، فليست كل سوداء فحمة ولا كل بيضاء شحمة، ونحن كثيرا ما نجد الشيء صعبا لأننا لا ندرك سهولته.

وحتى لا نقع في وهم الإصابة بالسحر أو غيره علينا - بعد الاتكال على الله U وحسن الظن به -:

أولا: تصحيح المعلومات التي نمتلكها حول الجن والسحر والعين فلا نقبل منها إلا ما طابق الواقع وقام الدليل على صحته، ونطرح ما سوى ذلك مهما كان قائله. فإن الوهم قد ينشأ من خواطر ترد على النفس ثم تتحول إلى أفكار ثم إلى إرادات ثم إلى أعمال ثم إلى عادات. (ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتداركه أسهل من قطع العوائد) ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn4)) .

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير