تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الفرق بين جيد التمر ورديئه في القيمة بون شاسع في عصرنا، فتجد السطل من التمر الردئ بعشرة ريالات، بينما تجده من التمر السكري الجيد بمائتي ريال. وهو هكذا في عصر النبوة حيث قال: نأخذ الصاع بالصاعين، فمعنى ذلك أن الزيادة بلغت مائة بالمائة، ولم يكن ذلك مسوغاً لأخذ الزيادة، ولم يقل أحد: إن ذلك سفه، والشريعة لا تأتي به، ولم يقل أحد: لماذا نأمره أن يبيع التمر الرديء، وهو لا يريد الدراهم، أليس في ذلك حرج ومشقة عليه، وهو سوف يشتري بقيمته من التمر الجيد، فهذا هو أمر الشارع، حيث أراد بحكمته عند اشتراط التماثل إلى تضييق المقاصة في بيع الربوي بجنسه.

ونحن لا نقول: لزاماً عليك أن تبيعها بمثلها من الذهب وأن تخسر جهدك، بل نقول له: لك أن تبيع الحلية من الذهب بالدراهم، والحلية من الفضة بالدنانير، فهل في إيجاب ذلك حرج ومشقة وعسر لا يمكن أن تأتي به الشريعة، أليس هذا من باب التهويل والمبالغة.

وقد يقبل كلام ابن القيم في عصره عندما كان تعامل الناس في النقدين (الدراهم والدنانير) أما اليوم فإن تعامل عامة الناس بالأوراق النقدية، وهي أثمان الناس اليوم، وليس هناك أثمان غيرها، فلك أن تشتري بها ما شئت من حلي الذهب والفضة، فمن كان معه قلادة استغنى عنها، وأراد أن يبيعها فلا يبعها بقلادة أخرى مع التفاضل، بل يبيع القلادة بالريالات، ولا يشترط في ذلك إلا التقابض، ويشتري بالريالات القلادة الذي يريد، وليس في ذلك سفه، ولا عنت، وعمل عامة الناس عليه في بلادنا.

وقول ابن تيمية وابن القيم: إن العاقل لا يمكن أن يبيع الصياغة بوزنها فإن هذا سفه وإضاعة للصنعة، ممكن أن يقال لهم أيضاً لو فتح باب الاعتراض العقلي أن يقال: إن العاقل لا يمكن أن يبيع الذهب، ولو لم يكن حلياً بمثله وزناً بوزن، لأن البائع حين يبيع يبحث عن مقدار من الربح، ولو كان يسيراً، فأي ربح في بيع الذهب بمثله بلا فضل، بل يمكن أن يقال أشد من هذا: هل يمكن لعاقل أن يبيع التمر الجيد بتمر رديء إلا إذا خرج الموضوع من باب المعاوضات إلا باب الهبات.

الدليل الثالث: أن ربا الفضل يباح منه ما تدعو إليه الحاجة كالعرايا حيث جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه بجنسه متفاضلاً.

ويناقش من وجوه:

الوجه الأول: أن الناس في عصر الصحابة أحوج إلى بيع الرطب بالتمر منهم إلى بيع الحلي بالذهب، وذلك أن مجتمع الصحابة في عصر النبوة كان أغلبهم من الفقراء، وكان طعامهم الأسودين التمر والماء، بخلاف الحلي والذي لا يستعمله إلا بعض النساء الميسورات، فكيف يقال: أين بيع الرطب بالتمر من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه.

فقد روى الشيخان من طريق عروة،

عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت لعروة: ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله ? نار. فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء .. الحديث ([53] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn53)). وروى أحمد من من طريق داود بن فراهيج، قال: سمعت أبا هريرة قال: ما كان لنا على عهد رسول الله ? طعام إلا الأسودان، التمر والماء.

[وإسناده حسن] ([54] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_edn54)).

فالرخصة في العرايا وردت في قوت الناس وطعامهم، وهي عامة لجميع الناس، ينتفع منها كافتهم، بخلاف الحلي، فهو ليس من حاجات الناس الضرورية، ولا ينتفع منها إلا خاصتهم.

الوجه الثاني: لا يسوغ شرعاً أن نحتج بالقياس على جواز بيع الحلي بجنسه مع التفاضل وقد ورد النص الخاص في المنع من ذلك، فهذا ابن عمر يقول بالحديث الصحيح للصائغ (هذا عهد نبينا إلينا، وعهدنا إليكم). وحديث فضالة في القلادة نص في الموضوع، وحديث عبادة وإنكاره على معاوية، وهو في صحيح مسلم حيث احتج على معاوية بالعموم من النهي عن بيع الذهب بالذهب مع التفاضل، ولم يخالف أحد من الصحابة إلا ما ورد عن معاوية، وهو ليس صريحاً في الباب.

الوجه الثالث: أن العرايا قد نص على أنه لا يقاس عليها، وأنه لم يرخص في غيرها، فتعميم الرخصة مخالف للنص الشرعي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير