تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجواب: ذكر ابن القيم في أول كتاب (الطرق الحكمية) أن من الفقهاء من قال: لا نتحاكم إليهم، وقال: هذا لا يمكن أن تصلح به أحوال الناس لا سيما مع كثرة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، فلك أن تتحاكم إليهم لكن لو حُكِمَ لك بغير ما أنزل الله فرده، وأما أن تضيع حقوق الناس فلا، لأنه ربما تكون أملاك وفيها ورثة كثيرون فلا يجوز أن نضيعها من أجل أن هذا يحكم بالقانون، بل نتحاكم إليه فإن حكم بالحق فالحق مقبول من أي إنسان، وإلا فلا ().

ويقول ابن تيمية رحمه الله فيمن أخذ حقه:" وكذلك لو كان له دين عند الحاكم وهو يمطله فأخذ من ماله بقدره ونحو ذلك (). ولذا قال بعض أهل العلم: إن الترافع إلى القانون لأخذ الحق من باب الظفر بالحق.

وأما صّديق حسن خان فقد قال: "ومن حُكِمَ عليه بغير الشريعة المحمدية، إن كان يلزم عليه تحليل حرام أو تحريم حلال شرعاً، فلا يجوز له قبوله ولا امتثاله، وعليه رَدّ ذلك وكراهته إلا أن يُكْرَه عليه بما يسمى إكراهاً شرعاً، وإن حُكم عليه بما يوافق الشريعة المحمدية قبل ضرورة وليس له أن يمتهن نفسه بتعريضها لأحكامهم وهو يقدر على الهجرة، وإلا كان في ذلك إذلالاً للدين واستخفافاً بالإسلام والمسلمين والله تعالى يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ().

ومن قرارت المجمع الفقهي الإسلامي بيان من الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بشأن الرواية التي كتبها المدعو سليمان رشدي .. القرار الثالث: يعلن المجلس أنه يجب ملاحقة هذا الشخص، بدعوى قضائية جزائية تقدم عليه، وعلى دار النشر التي نشرت له هذه الرواية، في المحاكم المختصة في بريطانيا، وأن تتولى رفع هذه الدعوة عليه منظمة المؤتمر الإسلامي التي تمثل الدول الإسلامية وأن توكل هذه الدعوى أقوى المحامين المتمرسين في القضايا الجنائية أمام محاكم الجزاء البريطانية ().

وقال صاحب البرهان والدليل على كفر من حكم بغير التنزيل: (الذي يلزمون بالتحاكم إلى القوانين وهم كارهون ومنكرون لها بما يستطيعون ولا يوجد عندهم محاكم شرعية يختارون التحاكم إليها فهذا النوع لا يؤثر عليه عمل غيره إذا كان مكرها لقوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ) (النحل: من الآية106) فعمل القلب هو الأساس هنا ... فليكن كل إنسان على حذر أن يؤتى من قبل قلبه إذا انشرح بمخالفة الشريعة (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور: من الآية63) ()

ومستند ذلك ما يأتي:

قوله سبحانه: "وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين" (يوسف: 42).

ووجه الدلالة من الآية أن فيها دليلا على جواز أن يرفع المسلم مظلمته لغير مسلم إن رجا أنه يعدل في حكمه، فملك مصر ذلك الوقت، لم يكن مسلما، ولا يعرف أحكام شريعة الله تعالى أصلا.

وقد طلب يوسف عليه السلام، صدور حكم ببراءته تارة أخرى عندما طلبه الملك ليخرج من سجنه، فأبى أن يخرج من سجنه إلاّ بعدما يسمع الملك القضية، ويصدر حكمه في يوسف عليه السلام، فعقد الملك مجلس حكم، قبل الدعوى، واستمع إلى الشهود، وأصدر الحكم بالبراءة (). قال تعالى في سورة يوسف:" وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ".

وقد يقول قائل: بأن هذا الأمر جائز في شرع من قبلنا، وأما شرعنا فمنع منه، فالجواب عن ذلك بأن يقال بأن أمور التوحيد مجمع عليها بين كل الشرائع، كما في حديث أبي هريرة ? أن النبي ? قال:" الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى و دينهم واحد" ().

كما أن شرعنا أتى بما يوافقه في نصوص عديدة منها ما يأتي:

ما أخرجه أحمد عن أنس قال:" لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط يا رسول الله إن لي بمكة مالا وإن لي بها أهلا وإني أريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء " ().

ووجه الدلالة أن النبي ? أباح له أن يستنقذ ماله بالنيل منه ? بلسانه، فكذا من يترافع للقانون لاستنقاذ ماله مع كفره بالطاغوت، وعدم رضاه.

ويمكن أن يستدل بقصة مثول الصحابة أمام النجاشي للدفاع عن أنفسهم، عندا ادعى عليهم المشركون للإضرار بهم، فدافعوا عن أنفسهم، قالت أم سلمة عن وفد مشركي قريش (فخرجا ـ أي عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة ـ من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده في خير دار مع خير جار) ().

ووجه الدلالة أن الصحابة ترافعوا إلى النجاشي الذي يحكم بغير الشريعة، للدفاع عن أنفسهم، وهو من دفع الصائل، كما قرره أهل العلم.

ومنع من ذلك بعض أهل العلم قبل انتشار الحكم بالطاغوت في العالم الإسلامي، وفي وقت سهوله الهجرة من بلد إلى بلد، فقد قال الشيخ حمد ابن عتيق رحمه الله والشيخ سليمان ابن سحمان:" إذا كان هذا ــ يعني التحاكم إلى الطاغوت ــ كفراً. والنزاع إنما يكون لأجل الدنيا، فكيف يجوز أن تَكْفُر لأجل ذلك؟، فإنه لا يؤمن أحد حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وحتى يكون الرسول أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها، ولو اضطرك أحد وخيرك بين أن تحاكم إلى الطاغوت أو تبذل دنياك لوجب عليك البذل ولم يَجُز لك المحاكمة للطاغوت، والله أعلم ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير