وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ زَائِلٌ.فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ نَقُولُ: إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ الْوَصْفُ الْحُكْمِيُّ الْمُقَدَّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ زَائِلًا.وَحَاصِلُ هَذَا: أَنَّهُمْ أَبْدَوْا لِلْحَدَثِ مَعْنًى رَابِعًا، غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَعَانِي.وَجَعَلُوهُ مُقَدَّرًا قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ حُكْمًا، كَالْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ، وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى الرَّابِعِ، الَّذِي ادَّعَوْهُ مُقَدَّرًا قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ، فَإِنَّهُ مَنْفِيٌّ بِالْحَقِيقَةِ، وَالْأَصْلُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لَهَا، وَيَبْعُدُ أَنْ يَأْتُوا بِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ.وَأَقْرَبُ مَا يُذْكَرُ فِيهِ: أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ قَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَانِعُ، كَمَا يُقَالُ، وَالْمَسْأَلَةُ مُتَنَازَعٌ فِيهَا.فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ.وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ أَوْ بِنَجَاسَتِهِ: لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ انْتِقَالُ مَانِعٍ إلَيْهِ.فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ.
ـ قلتُ في موضع من بحثي حول منهج الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وهنا فائدة أذكرها استطراداً يتّضح بها منهج المحققين في باب عزو الأقوال: قال في الفتح في شرح باب أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة من كتاب التعبير: ووقع في شرح القطب الحلبي: الملك هنا هو جبريل قاله السهيلي، فتعجب منه شيخنا وقال: هذا لا خلاف فيه فلا يحسن عزوه للسهيلي وحده. اهـ. فالقول إذا كان مُجمعاً عليه فلا ينبغي عزوه للبعض لأنّه قد يوهِمُ من لا علم له أنّ هناك خلافاً.
ـ وكذا في باب عزو المذاهب يُعزى القول لمن قاله أوّلاً.قال الحافظ في الفتح في شرح باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} من كتاب الأحكام: قال ابن التين: قيل كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الإمارة فكانوا يمتنعون على الأمراء، فقال هذا القول يحثهم على طاعة من يؤمرهم عليهم والانقياد لهم إذا بعثهم في السرايا وإذا ولاهم البلاد فلا يخرجوا عليهم لئلا تفترق الكلمة. قلت: هي عبارة الشافعي في " الأم " ذكره في سبب نزولها، وعجبت لبعض شيوخنا الشراح من الشافعية كيف قنع بنسبة هذا الكلام إلى ابن التين معبرا عنه بصيغة " قيل " وابن التين إنما أخذه من كلام الخطابي. اهـ.
ـ وأمَّا قول الأخ: وكأنه وقع في صدرك شئ من الغيظ ان نقلت عنه هذه الفائده. اهـ. فالظاهر أنه من الجور في القول والطعن في نيات الناس جهرة.
ـ وأما قوله: وهل يشترط في العزو أن نذكر أول من قال تلك المعلومه المراد عزوهااهـ. أقول ما قاله العلماء: من بركة العلم أن يعزى كل قول لقائله. وليس العكس كما هو معروف عند العلماء. اهـ مقدّمة تحقيق رفع الأستار للعلامة الألباني رحمه الله تعالى.
ـ وقد قلتُ في موضع من بحثي المذكور آنفا: ـ قال الحافظ في هدي السّاري ص 15: حتّى إنّه [يقصد الإمام البخاري] ربّما خرّج الحديث الذّي لاتعلّق له بالباب جملة إلاّ ليُبيِّن سماع راوٍ من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئاً مُعنعناً، وسترى ذلك واضِحاً في أماكِنِهِ إن شاء الله تعالى. اهـ
ـ قلتُ: هذا الكلام قاله السيوطي في التدريب ولم يعزُه لابن حجر رحمهما الله تعالى. وهذه طريقة غير جيّدة إذا أعملنا مقولة: من بركة العلم عزو كلّ قول إلى قائله. وممّن سلك هذه السبيل العلامة الشوكاني في النيل فإنّه يعرض كثيراً من الأقوال يظنّ القاريء أنّها له وإنّما هي للحافظ وسبب ذلك أنّه لم يعزُ العلم إلى قائله.
ـ قال العلاّمة الألباني في الضّعيفة 3/ 60: و الحديث قال الحافظ في " الفتح " (4/ 345):" رواه البيهقي، و رجاله ثقات، إلا أنه أعل بالإرسال، و أخرج له الطحاوي شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس برواته ".و نقله هكذا الشوكاني في " نيل الأوطار " (5/ 283) و لكنه - كما هي عادته - لم يعزه إلى الحافظ ... اهـ.
ـ وممن سلك هذه الطريق الحسين بن محمد بن سعيد بن عيسى اللاعي المعروف بالمغربى مصنف البدر التمام شرح بلوغ المرام.
ـ قال الشوكاني في البدر الطّالع: وهو شرح حافل نقل ما في التلخيص من الكلام على متون الأحاديث وأسانيدها ثم إذا كان الحديث فى البخارى نقل شرحه من فتح البارى وإذا كان فى صحيح مسلم نقل شرحه من شرح النووى وتارة ينقل من شرح السنن لابن رسلان ولكنه لا ينسب هذه النقول إلى أهلها غالبا مع كونه يسوقها باللفظ. اهـ.
ـ وربّما أفرط بعضهم جدّاً فأخذ مُصنّف غيره واختصره ولم ينسبه إليه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه رفع الإصر عن قضاة مصر في ترجمة محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم ابن صخر بن عبد الله بن إبراهيم بن أبي الفضل الكناني الحموي قاضي المسلمين بدر الدين أبو عبد الله الشافعي وهو من المائة الثامنة: وكذا صنع فِي مناسبات أبواب البخاري، أخذ كتاب ناصر الدين ابن المُنَيِّر فاختصره اختصاراً بالغاً وَلَمْ ينسبه إِلَيْهِ، لكنه هو بعينه لَمْ يزد فِيهِ سوى شيء يسير. اهـ.
ـ وقال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة: محمد بن عبد الدائم بن موسى بن عبد الدائم بن فارس .. أبو عبد الله بن أبي محمد بن الشرف أبي عمران النعيمي - بالضم نسبة لنعيم المجمر - العسقلاني الأصل البرماوي ثم القاهري الشافعي: وشرح العمدة لخصه من شرحها لشيخه ابن الملقن من غير إفصاح بذلك مع زيادات يسيرة وعابه شيخنا [يقصد ابن حجر] بذلك. اهـ.
ـ وفي انتقاض الاعتراض للحافظ ابن حجر تجده ينكر على العيني لأنه أخذ من شرحه فتح الباري ولم ينسب تلك الفوائد لابن حجر.
ـ النظائر في هذا الباب كثيرة وإذا مررت على شيء من ذلك فسأفيدك به.
¥