[بيان دليل الإجماع في مسألة ختان الإناث]
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[26 - 05 - 08, 11:43 م]ـ
بيان دليل الإجماع في مشروعية ختان الإناث
تُعدّ قضية ختان الإناث من القضايا الدينية الإسلامية التي وقع التلبيس و التدليس فيها في عصرنا هذا، و جرى إثارتها و تضخيمها و تشويهها، كما جرى التشكيك في مشروعيتها، و كثر الجدال و الكلام فيها، في ديار الإسلام و في غير ديار الإسلام؛ بسوء قصد من البعض، و بسوء فهم من البعض الآخر.
و ما كان لهذه القضية أن تُثار أصلاً؛ لمشروعية ذلك الختان في الإسلام، و وجود المُبرِرّ و المُسَوّغ الشرعي لفعله؛ متمثلاً بالنصوص الحديثية الصحيحة الثبوت، و الإجماع على دلالتها على تلك المشروعية، مثله في ذلك مثل ختان الذكور.
و هو موضوع هذه الدراسة.
و ما كان لي أن أكتب الآن في مثل تلك القضية البسيطة الأثر - في الوقت الذي تعاني فيه أمة الإسلام من قضايا كبيرة الخطر على وجودها و مصيرها، مما نشهده الآن في كل مكان - إلاّ لكونها قضية دينية، تتعلق بحكم مقرر من أحكام الدين، لا يجوز السكوت على إنكاره، أو التهاون على إبطاله، و حظره و تجريمه!
و كذا لاعتباري الانشغال بمثلها من قضايا الأحكام الشرعية الثابتة نوعاً من أنواع الرباط على ثغرٍ من ثغور الإسلام، و دفاعاً عن شرعه، و بياناً لأحكامه.
و هناك أدلة دينية معتبرة في مشروعية ختان الإناث في الإسلام؛ هي السُنة الصحيحة، و الإجماع المبنيّ عليها. و سيأتي بيانه
و المشروعية: نسبة إلى المشروع، و هو اسم مفعول من شرَع: أي: سَنّ؛ ففي " المخصص " لابن سيده: شَرَعَ الدِّينَ: سنَّه.
و في " المحكم والمحيط الأعظم " – لابن سيده أيضاً -: شَرَعَ الدين يَشْرَعُه شَرْعا: سَنَّه. وفي التنزيل: (شَرَعَ لكم مِن الدّينِ ما وَصَّى به نُوحا). اهـ
و أمرٌ مشروع: مسنون. سَنّه الشرع.
و في " الحدود الأنيقة و التعريفات الدقيقة " للإمام زكريا الأنصاري:
المشروع: ما أظهره الشرع. اهـ
و أقل أحوال المشروعية الجواز و الإباحة.
أولاً: دليل السُنة على مشروعية ختان الإناث
1 – حديث عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ومَسّ الختانُ الختانَ، فقد وجب الغسل ".
حديثٌ صحيحٌ أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه "
و هو في موجب الغسل عند جماع الزوجيْن، و المراد: ختان الرجل و ختان المرأة، و المقصود: موضعهما. أي موضع ختان الرجال و موضع ختان المرأة.
و يلزم من ذكر النبي صلى الله عليه و سلم و تصريحه بهذا الختان و ذاك – و عدم ورود إنكاره لأيّ منهما – إباحته لهما قطعاً و جزماً.
و هذا الحديث جاء مُفسّراً بقول النبي صلى الله عليه و سلم في رواية أخرى؛ بلفظ: " إذا جاوز الختانُ الختانَ وجب الغسل ".
أخرجه الترمذي و غيره.
2 – و عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الفطرة خمس - أو خمس من الفطرة -: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب ". متفقٌ عليه
أخرجه الإمامان البخاري و مسلم في " صحيحيهما "، و غيرهما.
و لفظ " الختان " هنا: عامٌ. فيدخل فيه ختان الذكور و ختان الإناث؛ قال الإمام مالك رحمه الله - و هو من كبار أتباع التابعين (1)، و إمام دار الهجرة -: (من الفطرة ختان الرجال و النساء).
ذكره الإمام ابن عبد البر في كتابه " التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد ".
هذا، و قد انعقد الإجماع على مشروعية ختان الإناث، و هو إجماعٌ مبنيّ على تلك الأحاديث و نحوها، و عمل الإجماع هو رفع مرتبة الأدلة من الظنية إلى القطعية، من حيث الثبوت و الدلالة.
ثانياًً: دليل الإجماع، و انتفاء الخلاف
الإجماع هو ثالث أدلة الأحكام الشرعية بعد الكتاب و السُنة – كما هو مقرر عند علماء الأصول – و هو " عبارة عن اتفاق جملة أهل الحَل والعَقد من أمة محمد صلى الله عليه و سلم في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع "؛ كما قال الآمدي، و أهل الحَل و العَقد هم العلماء المجتهدون.
و إجماع المسلمين من المجتهدين حجة في الشرع؛ كما قال الإمام الوزير ابن هبيرة الشيباني في كتنابه " اختلاف الأئمة العلماء ".
¥