[الفقه بين تراجم المحدثين ومسائل الفقهاء.]
ـ[أبو عمر الطائي]ــــــــ[19 - 06 - 08, 06:04 م]ـ
لعل من المتفق عليه أن ترتيب الأحكام الشرعية سواء كانت حديثية أو فقهية
إنما هي على الترتيب الفقهي، والذي يكون متسلسلا بطريقة معقولة المعنى
والسببكما هو معلوم.
ولعل من المتفق عليه أيضا أن هذا الترتيب من ابتكارات المحدثين لسبقهم في
التأليف وأن الفقهاء عالة عليهم في ذلك.
ولعل من المتفق عليه أيضا أن تراجم المحدثين في تبويباتهم على النصوص تمثل
في الواقع فقههم، وكل بحسب قوة اسنباطه، ودقة نظره، ولذا قيل (فقه البخاري
في تراجمه) وهي منسحبه على الجميع، واشتهرت بالبخاري لصحة أحاديثه، ودقة
استنباطاته وإلا فمثلا ابن ماجه على ضعف ما ينفرد به غالبا، إلا أنه ذكر بعض العلماء
أنه عجيب في تراجمه وصياغة التبويب فيها.
فمن هاهنا انبنى الفقه بشكل متكامل غالبا عند المحدثين، كما هو عند الفقهاء من
خلال تراجمهم والتي لم تعط ماتستحق من الاهتمام حيث انصرف أكثر طلبة العلم
في التفقه على كتب الفقهاء فقط وعدم الالتفات لتراجم المحدثين.
ولذا كان من المهم أن تنفر طائفة من أهل العلم:
(وتضع المسائل الفقهية وبإزائها التراجم الحديثية)
مع بيانٍ لوجه الفقه والتفقه في كل منهما.
وهنا أختم بذكر مقارنة (موجزة) بين تراجم المحدثين ومسائل الفقهاء تزيد
هذا الموضوع وضوحا
ولا أذكر امثلة لوضوحها في الغالب:
1ـ من حيث التزام ترتيب الأحكام الشرعية:
نجد أن الفقهاء أكثر دقة في ذلك من المحدثين، وإن كان المحدثون لهم سبق
الاختراع لهذا الترتيب.
2ـ من حيث سرد الأحكام التي ترك العمل بها:
فإن كثيرا من المحدثين يذكرون في تراجمهم الأحكام المنسوخة والمطلقة والعامة
ثم يعقبون بترجمة على الناسخ والمقيد والمخصص.
أما الفقهاء فلايذكرون مسائل منسوخة أو العامة المخصصة أو المطلقة
المقيدة ـ هذا من حيث الجملة ـ.
3ـ من حيث ذكر الأدلة:
فإن المحدثين لايذكرون مسائلهم التي نثروها في تراجمهم إلا وتحتها مايدل عليها
إما الفقهاء فلا يلتزمون ذكر الأدلة.
4ـ من حيث بناء المسألة على نص (ذكر أو لم يذكر):
فإن المحدثين أكثر التزاما وتقيدا بالنصوص، أما الفقهاء فإنهم أقل منهم انظباطا بها.
5ـ من حيث الجزم بالحكم الشرعي أو الوضعي:
فإن الفقهاء يقطعون بها بعبارة واضحة، أما المحدثون فإنهم لايجزمون في بعضها،
وبعض ماكان فيه خلاف فإن المحدث يصوغ الترجمة (كمسألة فقهية) ولايضمنها
حكما إما لتعارض النصوص في الظاهر عنده، أو لم يترجح لديه شئ، أو من باب
إثارة رغبة طالب العلم بالبحث والاستنباط.
وثمة سبب آخر هو أن المصطلحات الفقهية لم تستقر في عهدهم.
6ـ من حيث إسناد القول إلى قائله مسندا عنه:
فإن المحدثين غالبا لايوردون قولا لأحد إلا يذكرون سندهم إليه أما الفقهاء فهم
أقل منهم في ذلك.
7ـ من حيث المسائل المفترضة:
فإن الفقهاء كثيرا ما يوردون المسائل المفترضة والتي هي نادرة الوقوع، حتى
ربما بالغ بعضهم، أما المحدثون فإنهم نادرا ما يوردون المسائل المفترضة.
8ـ من حيث امتزاج المسائل الفقهية بغيرها:
الفقهاء لا تجد في كتبهم المخصصة للفقه إلا الفقه ونادرا مايخرجون عنه،
أما المحدثون فإنهم يوردون غير المسألة الفقهية ولكنه في غير الترجمة لأن الكتاب
في أصله كتاب حديث مسند ففيه أسانيد كثيرة جدا، وربما احتاجوا لذكر العلل والشواهد والمتابعات والتصحيح والتضعيف وغيرها مما له تعلق بعلوم الحديث مما تقتضية
الصنعة الحديثية وليس هو من المسائل الفقهية.
ولكن قد يقال: إن هذا ليس في الترجمة والتي هي محل البحث فهم معذورون في ذلك.
والله أعلم
أخوك المحب
أبو عمر الطائي
ـ[أبو عبيدالله]ــــــــ[21 - 06 - 08, 11:24 ص]ـ
جزاك الله خيرا؛ أفصحت عن بعض ما في الخاطر.
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[21 - 06 - 08, 12:53 م]ـ
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
فقد انتفعنا بما ذكرته ....
ملاحظات دقيقة، وفروق تدل على قوة التفات وعمق تأمل.
ـ[زايد بن عيدروس الخليفي]ــــــــ[22 - 06 - 08, 12:22 م]ـ
لعله مما يفرع على هذا الموضوع طريقة تلقي الفقه بين مناهج المحدثين ومناهج الفقهاء ...
ـ[أبو عمر الطائي]ــــــــ[24 - 06 - 08, 05:54 م]ـ
أبو عبيد الله
جزاك الله خيرا؛ أفصحت عن بعض ما في الخاطر.
أهلا بك أخي الحبيب ولعلك تكمل البعض الآخر لأن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا
أنتظر إضافاتك.
أبو عبد الرحمن المدني
ارك الله فيك وجزاك الله خيرا
فقد انتفعنا بما ذكرته ....
ملاحظات دقيقة، وفروق تدل على قوة التفات وعمق تأمل.
أهلا بك أخي أباعبد الرحمن
آمل أن أكون عند حسن ظنك، ولن أعدم من إضافاتك.
زايد عيدروس الخليفي
لعله مما يفرع على هذا الموضوع طريقة تلقي الفقه بين مناهج المحدثين ومناهج الفقهاء ...
أهلا بك أخي زايد لاشك أن بينهما بونا يبينه أمثالك، فلو أتحفتنا ببعض ذلك.
أشكر لجميع الاخوة المشاركين الذين أثروا في الموضوع
واشكر الجميع على مرورهم وإن لم يعلقوا، مع تعطشنا لكل فائدة حول هذا الموضوع.
¥