تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وممن كتب في التراجم استقلالا فخر فاس وحافظها ومسندها محب الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن إدريس بن سعيد بن مسعود ويعرف بابن رشيد [82] في كتابه ترجمان التراجم ولد في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وستمائة [83] في سبته ودرس الفقه على المذاهب الأربعة، وكان له تحقق بعلم الحديث وضبط أسانيده، وميز رجاله، ومعرفة انقطاعه واتصاله، وهو ثقة عدل عند أهل هذا الشأن، له اهتمام بالحديث وتآليفه. فألف في التراجم كتابه "ترجمان التراجم في إبداء وجه مناسبات تراجم البخاري لما تحتها مما ترجمت عليه" [84].

وهو كتاب نفيس في هذا الموضوع قال عنه ابن حجر: "وصل فيه إلى كتاب الصيام ولو تم لكان في غاية الإفادة وإنه لكثير الفائدة مع نقصه [85]، وقال عنه الكناني "أطال فيه النفس في إبداء المناسبات لتراجم صحيح البخاري" [86].

ولم أقف عليه مخطوطا: ولكني وقفت على ترجمة أوردها بنصها في كتابه" ملء العيبة" وهي تدل على عمق ودقة فهم في استخراج حكمه البخاري حيث قال: "الحمد لله المنعم المفضل، الوهاب المجزل مربي في مطالعتي ما قدر من صحيح الإمام الناصح أبي عبد الله البخاري - رضي الله عنه -، وإطلاعي على غوامض مأخذه على ما قسم لي، قوله - رضي الله عنه -: باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي وسترته ثم أورد فيه حديث سهل - رضي الله عنه -: قال كان بين مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الجدار ممر الشاه وهو معنى ما ترجم له، ثم أتبعه حديث سلمة قال: ((كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاه تجوزها)). فنظرت ما سبب إدخال هذا الحديث في هذا الباب، فظهر لي، والحمد لله، ما أضمره فيه، وذلك أنه قد قدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على المنبر، وأعاده أيضاً بعد. فلما قدم هذا واحتاج هنا أن يبين مقدار ما يكون بين المصلى وسترته، أتى بالحديث الأول نصاً في مقصده ثم أتبعه هذا الثاني مستنبطاً من معينه ذلك المعنى وشاهداً له عليه، لأنه لما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على المنبر كما قدم، وأثبت هنا ابن المنير بينه وبين الجدار يعني القبلة ما لا تكاد الشاة تجوزه، أنتج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بينه وبين قدر ممر الشاه أو بنحو ذلك، فثبت أن المصلى يكون بينه وبين الجدار قدر ممر الشاه بهذا الحديث أيضاً كما ثبت بالأول هو نص في معنى الترجمة، فانتظم الدليل التام بين الترجمة والحديث فيما ظاهره الانصداع، واتفق ما قدر من لا علم عنده بالمعاني أنه متنافر والحمد لله.

فإن قيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - نزل عن المنبر فسجد على الأرض في أصل المنبر وذلك أكثر من قدر ممر الشاه قلنا: قد حصل أكثر أجزاء الصلاة على المنبر وبينه وبين الجدار ذلك المقدار الذي تضمنته الترجمة المسوق لها الحديث الأول المسوق على الحديث الثاني أو قريب منه، وإنما نزل - صلى الله عليه وسلم - لأن درجة المنبر ضاقت عن السجود والله الموفق.

فلما تحققت أنها الدرة التي غاص عليها الإمام أبو عبد الله - رحمه الله - في بحر علمه، ثم قذف بها في بحر كتابه إلى أن يظفر بها من ذخرها له استخرجتها وجلوتها على من أثق بصحة تميزه وسلامه نظره، فأجلها وأحلها منزلتها من الاستحسان، وأعدها من فرائد الفوائد، لما جبل عليه من الاتصاف بالإنصاف. فسألني بعض الأصحاب المجتهدين زاده الله حرصا على طلب العلم النافع أن أقيد له ذلك الذي ظهر فيها فأجبت سؤاله والله المرشد، قاله ابن رشيد أرشده الله. انتهى الجواب [87].

وله أيضاً "إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح" [88] و"السنن الأبين والمورد الأعين في المحاكمة بين الإمامين في المسند المعنعن" [89].

وكتاب "ملء العيبة بما جمع في طول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة" [90] وهو المشهور برحله ابن رشيد، وهو من أشهر المؤلفات في الرحلات التي كان يقوم بها العلماء أنذاك. وقد أودع فيه كثيرا من الحكم والنكات الفقهية والحديثية وغيرها وذكر فيه جزءاً من التراجم وسماعات العلماء" وغير ذلك من المؤلفات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير