تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الشاطبي: "وأما مسألة جمع الصلاة في المسجد الواحد مرتين؛ فلا ينبغي أن يقال في مثلها: الحيد عن السنة، مع كونها في الأصل مختلفاً فيها بين العلماء، فمنهم من أجاز ذلك بإطلاق. ومذهب مالك: الكراهية؛ خوف الفرقة الحاصلة في تعدد الجماعات، وربما قصد أهل البدع ذلك؛ لئلاً يصلوا خلف أهل السنة، فصارت كراهية مالك سداً لهذه الذريعة، وقد احتج ابن العربي لهذا المذهب بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا} [التوبة: 107]، فذمهم على اتخاذ المسجد؛ لأوصاف؛ منها: التفريق بين المؤمنين؛ فالتفريق في الجماعات يشبه هذا، انظر كلامه في "الإحكام"، وإنما يبقى في المسألة أن من يترخص في ذلك يبني على بعض التأويلات التي هي خلاف المعتمد من مذهب مالك، والعمل إنما يكون في المسائل الخلافية على ما هو مشهور؛ كما تقرر لكم في غير هذا" [فتاوى الشاطبي ص126 – 127].

علة النهي ومحله:

ثانياً: علة الكراهة تفرق الكلمة، أو تقاعد القوم عن الجماعة الأولى، ولا يكون ذلك إلا في مسجد له إمام ومؤذن، ولهذا قال سيدنا عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى في الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. ومحل النهي في المسألة على العلة المذكورة: قبل الإمام الراتب وبعده إذا صلى الراتب في وقته المعلوم، فلو قدم عن وقته، وأتت جماعة؛ فإنهم يعيدون فيه جماعة من غير كراهة، أو أخر عن وقته؛ فإنهم يصلون جماعة من غير كراهة [بلغة السالك 1/.159]

ومحل الكراهة المذكورة أيضاً في المسجد الذي له إمام راتب وصلى في وقته المعلوم، ونائب الراتب حكمه حكم الراتب، ولا فرق بين كون الإمام راتباً في كل الصلوات أو بعضها، والكراهة إنما هي في التي هو راتب فيها فقط [حاشية العدوي 1/ 271].

وأفاد الزرقاني أن المراد بالمؤذن: الإمام الراتب الذي هو المؤذن أيضاً للمسجد.

ثالثاً: كما تكره الصلاة جماعة بعد صلاة الإمام الراتب تكره قبله, ولا كراهة في هذه الحالة في صلاة الإمام الراتب، وقد أوصل بعضهم الصلاة جماعة قبل صلاة الإمام إلى درجة الحرمة. قال الشيخ القاسمي في "إصلاح المساجد ص78 - 79": "يوجد في كثير من الجوامع الكبيرة أناس يفتاتون على الإمام الراتب؛ أي: يتقدمون بالصلاة جماعة عليه، قبل أن تقام له، فيختزلون من الجامع ناحية، يؤمون بها أناساً على شاكلتهم؛ رغبة في العجلة، أو حباً في الانفراد للشهرة. وقد اتفقت الحنابلة والمالكية على تحريم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب. قالت الحنابلة: إلا بإذنه، وإلا فلا تصح صلاته؛ كما في "الإقناع" و "شرحه" وقالت المالكية: كره إقامتها قبل الراتب، وحرم معه، ووجب الخروج عن إقامتها للراتب كما في "أقرب المسالك"، وكره ذلك الشافعية، وأفتى ابن حجر بمنعه بتاتاً، وصرح الإمام الماوردي من الشافعية بتحريم ذلك في مسجد له إمام راتب، وكره ذلك الحنفية، ولا يخفى أن ما ينشأ عن بعض هذا الافتئات من المفاسد يقضي بتحريمه؛ لأنه يؤدي إلى التباغض والتشاجر وتفريق كلمة المسلمين، والتشيع والتحزب في العبادة".

رابعاً: كراهة صلاة الجماعة مرة ثانية في مسجد له إمام راتب لا تنافي حصول فضل الجماعة لمن جمع مع الإمام الراتب [بلغة السالك 1/ 159].

خامساً: للمتخلفين عن الجماعة الأولى مع الإمام الراتب أن يخرجوا إلى موضع، فيجمعوا فيه، وهذا ما فعله ابن مسعود رضي الله عنه. ولهم أن يصلوا فرادى، ولا كراهة في ذلك، ولهم أجر الجماعة؛ كما جاء في الحديث الصحيح السابق [الأم 1/ 180 - 181]. وقيل: إن دخلوا المسجد؛ صلوا فيه فرادى، وإن لم يدخلوا؛ طلبوا الجماعة. ويؤيده أثر ابن مسعود وقول الحسن البصري، فتأملهما. ففي "الفتاوى السراجية": "رجل انتهى إلى المسجد وقد فرغ الإمام، فإن دخل المسجد؛ صلى فيه، وإن لم يدخل؛ طلب الجماعة" [الفتاوى السراجية ق28/ب].

سادساً: صلاة المتخلف عن الجماعة في بيته جماعة خير من صلاته في المسجد منفرداً؛ لأثر ابن مسعود، وصلاته في المسجد منفرداً خير من صلاته في بيته منفرداً؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير