وأجيب عن استدلال المانعين بحديث عائشة بأجوبة، منها:
الجواب الأول: أن الحديث ليس فيه نهي عن ستر الجدر، وإنما الذي فيه أننا لم نؤمر بالستر، وعدم الأمر لا يدل على التحريم، بل غاية ما فيه أنه لا يدل على الوجوب ولا الاستحباب، قال النووي رحمه الله: وليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه؛ لأن حقيقة اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك، وهذا يقتضي أنه ليس بواجب، ولا مندوب، ولا يقتضي التحريم. ا. هـ
الجواب الثاني: أن نهي النبي –صلى الله عليه وسلم- لعائشة لكون الستر فيه تصاوير -وقد ورد ذلك في روايات أخرى للحديث عند البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم- وقد ذكر هذا الجواب البيهقي في السنن الكبرى (7/ 272) واختاره بعض الحنابلة.
ومما ورد في هذه المسألة: حديث عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تستروا الجدر" رواه أبو داود (1485) وقال: روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا.
وضعَّف هذا الحديث –أيضاً- جمع من العلماء منهم البيهقي في السنن الكبرى، والحافظ ابن رجب، فقد قال في فتح الباري: (2/ 207طبعة ابن الجوزي): حديث النهي عن ستر الجدر إسناده ضعيف.
الحديث الثالث: عن محمد بن كعب القرظي، حدثني من سمع علي بن أبي طالب يقول: إنا لجلوس مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو اليوم فيه، ثم قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة". قالوا: يا رسول الله: نحن يومئذ خير منا اليوم نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة.
فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لأنتم اليوم خير منكم يومئذ". قال الترمذي (2476): هذا حديث حسن غريب ... ا. هـ.
والحديث فيه جهالة من حدث عن علي بن أبي طالب.
وورد عن بعض الصحابة أيضاً النهي عنه،
فقد ذكر البخاري تعليقاً: في كتاب النكاح، باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟ أن ابن عمر دعا أبا أيوب، فرأى في البيت ستراً على الجدار، فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعاما فرجع.
وقال ابن حجر في الفتح:
وصله أحمد في كتاب الورع، ومسدد في مسنده، ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: (أعرست في عهد أبي ... ). وذكر الحافظ ابن حجر آثاراً أخرى في هذا المعنى فليراجعها من أراد الاستزادة.
وقال الشيخ الألباني عن هذا السند في كتابه آداب الزفاف (130): سند جيد، ونقل عن المروذي في كتابه الورع (19/ 2) أن الإمام أحمد احتج به.
لكن أجاب بعض العلماء عن هذا الأثر:
بأنه اجتهاد من أبي أيوب؛ بدليل أن ابن عمر فعله وحضر بعض الصحابة ولم ينكروا ذلك وإنما أنكر ذلك أبو أيوب، ولو كان محرماً لما غلبت النساء ابن عمر عليه، ولكنهن غلبنه على شيء مكروه، والله أعلم.
وأما ستر الكعبة فإنه مستثنى من النهي لمكانة الكعبة وخصوصيتها، ولا أعلم في ذلك خلافاً، فقد كانت الكعبة تستر في وقت النبي –صلى الله عليه وسلم- وبعده ولم ينكر ذلك أحد فيما أعلم، وفي حديث علي -الذي سبق ذكره- عند الترمذي: "وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة"، ولكن الحديث فيه ضعف، وعند البيهقي (7/ 272) عن سلمان عندما تزوج امرأة من كندة، وأراد أن يدخل بها ورأى بيتاً مستراً قال: مابال بيتكم محموما أو تحولت الكعبة في كندة .. ولكن قال عنه البيهقي: هذا منقطع.
وقال ابن عمر لرجل دعاه إلى وليمة وقد ستر الجدر: يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك، رواه أحمد في الزهد كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري.
هذا مختصر لما ورد في هذه المسألة، وباختصار فقد ورد حديث صحيح ليس بصريح في هذه المسألة، ووردت أحاديث أخرى ضعيفة، والعلماء مختلفون في حكم ستر الجدر، فالجمهور على أن النهي للكراهة إن لم يكن ذلك حريراً، ورأى بعض العلماء أن النهي للتحريم، والله أعلم وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد.
منقول من مشاركة لأحد الاخوة في الملتقى
ـ[نضال دويكات]ــــــــ[15 - 07 - 08, 12:36 م]ـ
وهذه مشاركة للاخ المسيطر حفظه الله في الملتقى سايقا
وهذا سؤال وجه للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى:
السؤال: المستمع من العراق يقول في رسالته سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما معناه أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها ووجدها قد وضعت ستراً على الجدار وهو ما يسمى بالستائر في عصرنا الحالي فقال لها نحن قوم لم نؤمر بتغطية الحوائط أو الجدران هل يفهم من هذا الحديث الشريف أنه يجب أن تكون مثل هذه الستائر على قدر فتحة النافذة أم يجوز أن تكون بعرض الحائط التي توجد بها النافذة أي أن تكون على جانبي النافذة أفيدونا بارك الله فيكم؟
الجواب
الشيخ: الحديث الذي أشار إليه السائل في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الستر على الباب فظهر ذلك في وجهه ثم قال صلى الله عليه وسلم إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين ثم هتكه أي قطعه.
ففي هذا الحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن تصل به الحال إلى أن يكسو جدران بيته بهذه الأكسية التي كرهها النبي صلى الله عليه وسلم وبان ذلك في وجهه وأخبر بأن الله لم يأمرنا بذلك.
وأما الستائر التي توضع الآن فإن كانت لغرض صحيح سوى الستر كما لو أراد الإنسان بها أن يستر وجه النافذة عن الشمس أو نحو ذلك فإن هذا لا بأس به لأنه ليس كسوة للحجارة والطين ولكنه للتوقي من أذى يترقبه أو لمصلحة يرجوها بهذه الكسوة فأما مجرد الزينة أي مجرد تزيين الجدار بهذه الكسوة فإن هذا داخل في الحديث ولا ينبغي أن نفعله.
¥