تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مشروع مقترح للفتوى]

ـ[أبو سليمان الغامدي]ــــــــ[26 - 08 - 08, 08:46 م]ـ

[مشروع مقترح للفتوى]

د. هاني بن عبد الله بن جبير

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن منصب الإفتاء منصب خطير بدون شك، فهو منصب تولاه الله تعالى بنفسه، قال تعالى: "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن".

والمفتي يقوم بعمل الأنبياء، فالله تعالى قال عن نبيه: "إنما أنت نذير".

وقال عن أهل العلم: "فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون".

ولا عجب فإن العلماء ورثة الأنبياء، وفقدان المفتي المؤهل سبب ضلال الأمة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من صدور العلماء ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" متفق عليه.

ولا يمكن للأمة المسلمة أن تبقى بدون مفتٍ يوجه السائلين، ويعلم المسترشدين ويدلهم إلى حكم الله تعالى فيما يعرض لهم.

وفي هذه البلاد المباركة نرى تجنيد عدد كبير من طلبة العلم في موسم الحج للقيام بهذه المهمة، كما نجد رئاسة شؤون الحرمين تتولى تنسيق وجود عدد من المفتين في الحرمين سواء في أوقات المواسم أو غيرها.

وهذا كله يصب في مسار يبين بجلاء أن الأمة لا تستغني عن وجود المفتين أهل الكفاية عددًا ونوعًا؛ لأن الحاجة تظهر أن الناس يحتاجون من المفتين إلى أعداد أكبر من الموجود منهم.

ولما كان المفتي محتاجًا لأن يتصف بصفات خلقية تؤسس تأهله للإفتاء من العمل بالعلم والإخلاص والقدرة العلمية، فهو مطالب أيضًا بخصائص تمكنه من القيام بعمله على الوجه المحقق لمقصد الشارع، من مثل الاستعداد النفسي لتحمل ضغط الناس والمران على الإفتاء وأسس التعامل مع الناس.

ولا يشك أحد في أهمية التدريب والإعداد لكل عمل دنيوي أو ديني، ومن تأمل هدي السلف وجده مفيدًا لهذا المعنى، فيدرب الشخص على العمل الذي سيوكل إليه.

ومن ذلك: الإفتاء، فقد درب النبي –صلى الله عليه وسلم- أصحابه على الإفتاء وأفتوا بحضرته، وهو تمرين لهم على الاجتهاد والإفتاء، وقد ذكر محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي في الفكر السامي (1/ 220) عشرة أمثلة لذلك.

وقد قال أبوالأصبغ -عيسى بن سهل-: "الفتوى صنعة، وقد ابتليت بالإفتاء فما دريت ما أقول في أول مجلس وأنا أحفظ المدونة والمستخرجة الحفظ المتقن .. والتجربة أصل في كل فن ومعنى مفتقر إليه". وقال محمد بن عبد السلام: "تجد الرجل يحفظ كثيرًا من الفقه ويعلمه غيره، فإذا سئل عن واقعة لبعض العوام من مسائل الصلاة أو مسألة من مسائل الأعيان لا يُحسن الجواب، بل ولا يفهم مراد السائل إلا بعد عسر". انظر المعيار المعرب (10/ 79).

وقال الإمام مالك: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك ولو نهياني انتهيت.

ويقول القرافي: "هذا باب عظيم يحتاج إلى فراسة عظيمة، ويقظة وافرة، وقريحة باهرة، ودربة مساعدة، وإعانة من الله عاضدة" (الإحكام ص28).

وإذا كان هذا الأمر ملاحظ في زمن مضى، فالعناية به الآن مع تطوّر الزمن وتغير الأحوال أشد وآكد، إذ الضغوط الحياتية كثرت، والتفرغ قل جدًا، والنوازل ازدادت، وكثر عدد الناس. وإذا كان خبراء الإدارة والتطوير يقررون أن الإنسان لا يتجاوز مدى تذكره لربع ما يراه، فإنه في المقابل يتذكر 90% من الذي يعمله ويؤديه فعلاً.

ومن هنا جاء هذا المشروع الذي هو إعداد معهد لإعداد وتأهيل المفتين وتطويرهم.

وهو معهد يتولى إعداد طلبة العلم ليكونوا مؤهلين للإفتاء، فهو مرحلة متقدمة من التدريب والتطوير لطلبة العلم؛ ليكونوا بعد ذلك مستعدين لتحمّل هذا العمل.

وإذا كان الأئمة، والدعاة، والقضاة قد أسست لهم معاهد تتولى مهمة التدريب والارتقاء، أفلا يكون للمفتين معاهد تتولى هذه المهمة لهم؟

طريقة التنمية:

لهذا المعهد –المقترح- شقان:

الأول منهما: تدريب وتأهيل المفتين داخل هذه البلاد، والمأمول أن يكون نتاج هذا المعهد هم نخبة طلبة العلم ممن يمكنه تولي مهام الإفتاء في وقت المناسك وفي الحرمين ونحوها من مواضع الإفتاء.

الثاني: هو تأهيل المفتين من أبناء الدول الإسلامية عامة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير