[(حكم العمل بالحساب في ثبوت شهر رمضان) للشيخ د. سلمان بن فهد العودة]
ـ[جعفر بن مسافر]ــــــــ[01 - 09 - 08, 02:17 ص]ـ
السؤال
هل يُفْهم قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". وقوله: "إننا أمة أمية، لا نقرأ ولا نكتب, الشهر هكذا وهكذا". يعني: تسعة وعشرين أو ثلاثين، وعدم العمل بالحساب في ثبوت الشهر مع أن الله تعالى يقول: "الشمس والقمر بحسبان"؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد صح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ». ولمسلم: «فَإِنْ أُغْمِىَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ». وللبخاري: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ».
ففي هذا الحديث اعتبار الرؤية في الهلال، والحديث ذُكر فيه ثلاث وسائل تقدير، الوسيلة الأولى هي الرؤية «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ».
والوسيلة الثانية هي إكمال شعبان ثلاثين يومًا، والوسيلة الثالثة هي التقدير على اختلاف فيه هل هو التضييق كما يقول الحنابلة، أو هو الإكمال وحساب ثلاثين كما يقول الجمهور، أو هو التقدير بمعنى استخدام الحساب وعلم الحساب والتسيير لمعرفة منازل القمر.
والخلاف في هذه المسألة:
أولًا: الجمهور والمشهور عند الأئمة الأربعة يرون أنه لا يؤخذ إلا بالرؤية أو بالإكمال إكمال الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين على حسب الخلاف بين الحنابلة وبين الجمهور.
استدلوا أولًا: بالأحاديث: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» (1). فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علّق الحكم بالرؤية.
واستدلوا أيضًا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم.
واستدلوا بالآية الكريمة وهي قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) [البقرة:185]، وكأن (شَهِدَ) هنا معناها شاهد أو رأى من الشهود من المشاهدة وإن كان هذا الاستدلال فيه ما فيه لأن المتبادر من لفظ (فَمَنْ شَهِدَ) يعني: حضر أو أدرك الشهر، حتى لو لم يشهده بنفسه وإنما شهده غيره أو شاهده غيره؛ لأن مقابل (فَمَنْ شَهِدَ) (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ)
ومما يُستدل به أيضًا لمذهب الجمهور في اعتبار الرؤية وعدم اعتبار الحساب أو علم التسيير: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين (2).
هذا هو القول الأول وهذه هي أدلته، وقد ذكرت أنه المشهور عن الأئمة الأربعة.
القول الثاني في المسألة:
هو جواز الأخذ بالحساب إذا قامت حجتهم، وما يقول به علماء الفلك العارفون به.
وهذا القول منسوب إلى مطرّف بن عبد الله من كبار أئمة التابعين، وهو أيضًا قول ابن قتيبة، وهو قول أبي العباس بن سريج- وهو من كبار أئمة الشافعية حتى إنهم يقدمونه على المزني في سعة معرفته بالمذهب- وله في ذلك تصنيف وكلام نسب فيه هذا القول إلى الإمام الشافعي ونقل في ذلك نصًا وإن كان المخالفون له وهّموه في ذلك بنصوص أخرى للشافعي.
وكذلك قاله القشيري والعبادي وذكره أبو خطاب من المالكية في مواهب الجليل ونسبه إلى جماعة منهم مطرّف بن عبد الله، وأخذ بهذا القول جمع كبير من العلماء المعاصرين مثل الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ أحمد محمد شاكر الإمام المحدّث، وله كتاب اسمه "أوائل الشهور القمرية" نصر فيه هذا القول نصرًا عزيزًا قويًا، وكذلك بعض طلبة العلم اختاروا هذا القول وصنّفوا فيه.
وحجتهم في ذلك:
أولًا قوله صلى الله عليه وسلم: (فَاقْدِرُوا لَهُ) قالوا: يؤخذ منه أن المقصود التقدير وليس إكمال الثلاثين ولا التضييق على الشهر، وإنما فسروه على أن المقصود هو حساب القمر ومنازل القمر.
¥