تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل إلقاء الدرس بين التراويح بدعة؟]

ـ[علي محمد ونيس]ــــــــ[10 - 09 - 08, 12:28 م]ـ

يدور كثير من الكلام على ألسنة الناس في وصف بعض الأعمال بالبدعية، وهذا أمر خطير جدا؛ لأن الحكم بالبدعية على فعل ما لا بد أن يسبقه البحث الجاد والتحري التام، وهذا لا يحصل في الغالب إلا من نزر يسير ممن وفقه الله تعالى، وقد يحصل البحث من الطالب لكنه مع هذا تضطرب قاعدته في الحكم على الفعل بالبدعية، فينتج هذا والذي قبله عجائب وغرائب، ومما تكلم فيه البعض ووصفوه بالبدعية إلقاء درس بين ركعات التراويح أو بعدها، ولكي تتضح هذه المسألة نذكر على وجه الإجمال مقدمة لها ثم نثني بحكمها.

عرف محمد الخادمي الحنفي البدع بقوله: جمع بدعة خلاف السنة اعتقاداً وعملاً وقولاً، وهذا معنى ما قالوا: البدعة في الشريعة إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر أيضاً: أن المعنى الشرعي للبدعة هو: الزيادة في الدين أو النقصان منه الحادثان بعد الصحابة بغير إذن من الشرع.

وبهذا التعريف يعلم أنه لا اختلاف بين تعريف الحنفية للبدعة، وتعريف غيرهم من العلماء من أهل المذاهب الأخرى، فالشاطبي عرف البدعة بقوله: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.

وقوله (تضاهي الشرعية) أي: تشبه الطريقة الشرعية لكنها في الحقيقة مضادة لها، وقد مثل الشاطبي للبدعة بقوله: ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك.

ومنها: التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شبعان وقيام ليلته. انتهى

ومن الضوابط التي وضعها العلماء للبدعة قولهم: كل عمل لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له، وعدم المانع من فعله، ففعله بعد ذلك بدعة، وهذا يخرج صلاة التراويح وجمع القرآن من البدعة، لأن صلاة التراويح لم يستمر النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها (جماعة) لوجود المانع، وهو الخوف من أن تفرض.

وأما جمع القرآن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، لعدم وجود المقتضي لذلك، فلما كثر الناس واتسعت الفتوحات وخاف الصحابة من دخول العجمة جمعوا القرآن.

وليعلم المسلم أن البدعة خطرها عظيم على صاحبها وعلى الناس وعلى الدين، وهي مردودة على صاحبها يوم القيامة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد" رواه البخاري ومسلم.

وعند مسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد"، وقوله: في أمرنا أي: في ديننا، وقوله: رد أي: مردود على صاحبه كائناً من كان.

وأيضاً: البدعة ضلالة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي.

ولم يرد فيما اطلعنا عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الاستراحة بين كل ترويحتين شيء؛ إلا ما أخرجه الإمام البيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات في الليل، ثم يتروح، فأطال حتى رحمته، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً.

قال البيهقي: (تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي. وقوله: ثم يتروح، إن ثبت فهو أصل في تروح الإمام في صلاة التراويح. والله أعلم) انتهى

لكن المنقول عن السلف من الصحابة وغيرهم أنهم كانوا يجلسون بين كل ترويحتين دون نكير من أحد، وهو أعون على النشاط، أما وجوب ذلك فلا دليل عليه ولا قائل به فيما نعلم. وللعلماء في هذا الجلوس مذاهب: فمنهم من ينص على استحبابها وهم الحنفية، قال الإمام السرخسي في المبسوط 2/ 146 (الفصل الرابع في الانتظار بعد كل ترويحتين: وهو مستحب هكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لأنها إنما سميت بهذا الاسم لمعنى الاستراحة، وأنها مأخوذة عن السلف وأهل الحرمين فإن أهل مكة يطوفون سبعاً بين كل ترويحتين كما حكينا عن مالك رحمه الله تعالى، وقال: والصحيح هو الانتظار والاستراحة بين كل ترويحتين على ما حكينا).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير