تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فِيمَا ذَكَرَ أَهْل الْعِلْم بِالتَّفْسِيرِ أَيْ أَكْثَر الطَّلَاق الَّذِي يَكُون بَعْده الْإِمْسَاك أَوْ التَّسْرِيح مَرَّتَانِ، ثُمَّ حِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَخْتَار اِسْتِمْرَار الْعِصْمَة فَيُمْسِك الزَّوْجَة أَوْ الْمُفَارَقَة فَيُسَرِّحهَا بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَة، وَهَذَا التَّأْوِيل نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره عَنْ الْجُمْهُور، وَنَقَلُوا عَنْ السُّدِّيّ وَالضَّحَّاك أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّسْرِيجِ فِي الْآيَة تَرْك الرَّجْعَة حَتَّى تَنْقَضِي الْعِدَّة فَتَحْصُل الْبَيْنُونَة، وَيُرَجِّح الْأَوَّل مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل بْن سَمِيع عَنْ أَبِي رَزِين قَالَ " قَالَ رَجُل: يَا رَسُول اللَّه الطَّلَاق مَرَّتَانِ، فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " وَسَنَده حَسَن، لَكِنَّهُ مُرْسَل لِأَنَّ أَبَا رَزِين لَا صُحْبَة لَهُ، وَقَدْ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ إِسْمَاعِيل فَقَالَ " عَنْ أَنَس " لَكِنَّهُ شَاذٌّ، وَالْأَوَّل هُوَ الْمَحْفُوظ، وَقَدْ رَجَّحَ إِلْكِيَا الْهَرَّاسِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّة فِي كِتَاب " أَحْكَام الْقُرْآن " لَهُ قَوْل السُّدِّيّ، وَدَفَعَ الْخَبَر لِكَوْنِهِ مُرْسَلًا، وَأَطَالَ فِي تَقْرِير ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ، وَهِيَ بَيَان حَال الْمُطَلَّقَة وَأَنَّهَا تَبِينُ إِذَا اِنْقَضَتْ عِدَّتهَا، قَالَ: وَتُؤْخَذ الطَّلْقَة الثَّالِثَة مِنْ قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ طَلَّقَهَا) ا ه وَالْأَخْذُ بِالْحَدِيثِ أَوْلَى فَإِنَّهُ مُرْسَل حَسَن يَعْتَضِد بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِسَنَدٍ صَحِيح قَالَ " إِذَا طَلَّقَ الرَّجُل اِمْرَأَته تَطْلِيقَتَيْنِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي الثَّالِثَة، فَإِمَّا أَنْ يُمْسِكهَا فَيُحْسِن صُحْبَتهَا أَوْ يُسَرِّحهَا فَلَا يَظْلِمهَا مِنْ حَقّهَا شَيْئًا " وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره: تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ عَلَى هَذِهِ الْآيَة مَنْ أَجَازَ الطَّلَاق الثَّلَاث لِقَوْلِهِ تَعَالَى (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) وَهَذِهِ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ هَذَا الْعَدَد إِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْفُسْحَة لَهُمْ، فَمَنْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسه لَزِمَهُ، كَذَا قَالَ وَلَمْ يَظْهَر لِي وَجْه اللُّزُوم الْمَذْكُور، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة فى مجموع الفتاوى ما نصه:

وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ. أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ. أَوْ يَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ يَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ يَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ. أَوْ يَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. أَوْ عَشْرَ طَلَقَاتٍ أَوْ مِائَةَ طَلْقَةٍ أَوْ أَلْفَ طَلْقَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ: فَهَذَا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا. وَمِنْ السَّلَفِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدِعٌ. " أَحَدُهَا ": أَنَّهُ طَلَاقٌ مُبَاحٌ لَازِمٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْقَدِيمَةِ عَنْهُ: اخْتَارَهَا الخرقي. " الثَّانِي " أَنَّهُ طَلَاقٌ مُحَرَّمٌ لَازِمٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ. اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ: مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِهِمْ. " الثَّالِثُ ": أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَانِ؛ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: مِثْلَ طَاوُوسٍ وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو؛ وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ؛ وَهُوَ قَوْلُ داود وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ؛ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الشِّيعَةِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ. وَأَمَّا " الْقَوْلُ الرَّابِعُ " الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ: فَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَالْقَوْلُ " الثَّالِثُ " هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ؛ فَإِنَّ كُلَّ طَلَاقٍ شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إنَّمَا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ؛ لَمْ يُشَرِّعْ اللَّهُ لِأَحَدِ أَنْ يُطَلِّقَ الثَّلَاثَ جَمِيعًا وَلَمْ يُشَرِّعْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلَاقًا باينا وَلَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَانَتْ مِنْهُ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ مِنْهُ.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير