إذاً: الماء الطهور إذا تغير بطاهر فلا نحكم بتغيره في حالات الضرورة، وهي الحالات التي لا يمكن للإنسان أن يفك الماء فيها عما غَيَّره، مثل: اختلاط التراب بماء السيل، ومثل ماء القربة، فإنك إذا وضعت فيها الماء وجئت تشرب تجدُ رائحة القربة في الماء، ويكون الماء قد تغيرت رائحته وقد يتغير طعمه، فلا تقل: تغير بطاهر فهو طاهر، لا؛ لأنه تغير بشيء يشق التحرز عنه، هذا بالنسبة للماء الطهور.
إذاً الماء الطهور له حالتان: الحالة الأولى: أن يقال لك: توضأ من هذا الماء الطهور واغتسل منه بدون كراهة، كما لو جئت إلى بركة ماء -والماء فيها على خلقته- فسألت الفقيه وقلت له: هل يجوز أن أتوضأ من هذه البركة؟ قال لك: نعم يجوز بالإجماع؛ لأنه ماء طهور باق على أصل خلقته.
ـ[أبو القاسم الحائلي]ــــــــ[16 - 10 - 08, 04:10 م]ـ
و قال في شرح العمده رادا على من اختار ان الماء قسمين
(يقول المصنف-رحمه الله-: [خُلق الماء طهوراً]: معناه: أن الله أوجد الماء في أصل خلقته بهذه الصفة طهور، كما قال أئمة اللغة: طاهر في نفسه مطهر لغيره وتبعهم على ذلك الفقهاء أيضاً، فقال الجمهور: طاهر في نفسه مطهر لغيره هذا معنى الطهور، والحكم أولا لما قال: [خلق الماء]، يعنى أن الله أوجد الماء في أصل خلقته طهور ما الدليل؟
قوله-تعالى-: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}، فنص-?- على أن الماء في أصل خلقته طهور، وانظر الفرق بين كونه يقول: وأنزلنا من السماء ماء طاهراً، وبين قوله طهوراً، فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وأن هناك فرق بين الطهور وبين الطاهر كما يقول الجمهور، هذا الدليل تعلق بالأنواع التالية من المياه: ماء المطر، ماء البئر، ماء العيون، ماء الأنهار، ماء السيول، محكوم بأنها مياه طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها، ما الدليل {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}، قال لك شخص هو أنزله ماءطهور كيف حكمت على الذي في باطن الأرض أنه طهور، نقول لقوله: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}، فوصف الذي نزل من السماء أنه قد سكن الأرض، والصفة مستصحبة لأن الحكم أصل، فنقول الماء في البئر طهور، والماء من العين طهور، والماء الجاري في النهر طهور، وجارياً به السيل طهور، طيب كيف حكمنا بأنه إذا كان في البئر طهور، قلنا أسكناه في الأرض.
أكدته السُّنة لما سئل-عليه الصلاة والسلام- عن بئر بضاعة قال: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء))، أي أنه مادام باقياً على أصل خلقته فهو طهور، ونحكم بكونه طهوراً طاهراً في نفسه مطهراً لغيره، فلو أن شخصاً نزح دلواً من بئر، قلنا هذا ماء طهور طاهر في نفسه مطهر لغيره، فلو اغتسل به من جنابه ارتفع حدثه، ولو توضأ به لصلاة صح له أن يستبيحها.
إذا الماء الذي في البئر طهور، الذي في النهر طهور، الذي في السيل طهور، الذي من العين طهور، طيب الذي في البحر، البحر مالح وليس من الذي نزل، جاءت السُّنة ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته))، فدل أيضاً على أن مياه البحار طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها، وأنها آخذة حكم ماء السماء، فأجتمع التقسيم لكل المياه الأصلية، مياه الآبار، مياه العيون، مياه الأنهار، مياه السيول، مياه البحار، وأنه يحُكم كلها بطهوريتها، فلو أن شخصاً جاءنا بسطل ماء من بحر قلنا أنه مادام على أصل خلقته طاهر في نفسه مطهر لغيره، خلافاً طبعاً لعبدالله بن عمرو بن العاص من الصحابة-? وعن أبيه-، وسعيد ابن المسيب من التابعين الذين كانوا يمنعون من ماء البحر، ولعلهم مالم يبلغهم النص في حديث أبي هريرة-?- واعتذر لهما، كان يقال أن من الشبهة أن الله-تعالى- لم يسوى بين الماء العذب {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ}، ففرق الله بين الماء العذب وبين الماء الأجاج، وقال: إن هذا التفريق يستلزم أن هذا طهور وهذا غير طهور، ومن هنا رد الجمهور على هذا بحديث أبي هريرة-?-، وهذا يدل على صحة التقسيم، أن الماء ليس كله طهور، ومن هنا يترجح مذهب الجمهور حينما قالوا: أن الطاهر قسم ثالث في الماء، بدليل أن الصحابة كانوا يعرفون هذا، ولذلك أبو هريرة لما جاء الرجل وسأل النبي-?- وقال: - يا رسول الله - إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء، إن توضئنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فلو كانوا يتوضئون بكل ماء، ولو كان كل ماء طهور ما سأل الصحابي هذا السؤال، ولذلك قرر الجمهور بظاهر الآية في قوله: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}، على " أن زيادة المبنى تدل على المعنى "، وأن هذا الباقي على أصل خلقته فيه معناً زائداً.
وثانياً: أن الصحابة كانوا يعرفون هذا، بدليل سؤال الصحابي، وأنهم كانوا يدركون أنه لا يتوضأ بكل ماء.
ومن هنا نقول أن القسم الثاني صحيح وهو القسم الطاهر الذي سيأتينا، الشاهد معنا أن الماء الباقي على أصل خلقته ماء طهور، طاهر في نفسه مطهر لغيره.)
¥