وظاهر حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما تحريم ذلك داخل الصلاة وخارجها لعدم تقييده بحال الصلاة، والراجح أنّه لا بأس به خارج الصلاة ويدل لذلك التقييد بالصلاة في حديثي أنس وابن عمر المذكورين آنفا ولو تفادى ذلك لكان أسلم له والله أعلم.
5) النخاعة في المسجد آداب وأحكام:
كما أنّ ظاهر قوله ((وليبصق عن يساره)) جواز البصق عن اليسار في المسجد وغيره. وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ((البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)) كما أخرجه الشيخان عدم جواز التفل في المسجد إلى جهة اليسار وغيرها.
وبالجمع بين الحديثين يمكن أن نقول:
أنّ التنخم والبصق في المسجد لا يجوز إذا لم تدفن النخامة لأنّها قد تؤدي المصلين أما إذا أمنت أذية المصلين بأن حُكّت أو دفنت فلم يبقى لها أثر فلا حرج في ذلك.
ويشهد له ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله.
قال الحافظ إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم. (أنظر الثمر المستطاب للألباني 2/ 720) والمراد بدفنها إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا فأما إذا كان مبلطا أو مفروشا فدلكها بشيء ليس بدفن لها بل هو زيادة في التقذر. والله أعلم.
كما أنّ ظاهر النهي عن البصق إلى القبلة التحريم ويؤيده تعليله بأن ربه تعالى بينه وبين القبلة كما في البخاري من حديث أنس.
وبأن الله قبل وجهه إذا صلى كما في حديث ابن عمر.
قال الحافظ في الفتح: وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا ولاسيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم وفي صحيحي ابن حبان وابن خزيمة من حديث حذيفة مرفوعا ((من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله ين عينيه)) وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا ((يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه))
ولأبي داود بن حبان من حديث السائب بن جلاد أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((لا يصلي بكم)) الحديث وفيه أنه قال ((إنك آذيت الله ورسوله)) انتهى (انظر نيل الأوطار للشوكاني)
كفارة من بزق في المسجد:
قال الإمام البخاري أيضا:
405 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ((البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)).
قال العيني واختلف العلماء في المراد بدفن البزاق فالجمهور على أنه الدفن في تراب المسجد ورمله وحصياته إن كانت فيه هذه الأشياء وإلا يخرجها فإن لم تكن المساجد تربة وكانت ذات حصير فلا يجوز احتراما للمالية. عون المعبود (2/ 98 - 99)
وإذا كان المسجد مبلطا أو مفروشا أو ذا حصير فليبزق في طرف ردائه ثمّ يردّه عليه وهذا أسلم له وأطهر للمسجد لحديث أنس المتقدّم:
((إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه أو ربه بينه وبين قبلته فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض قال أو يفعل هكذا)).
وفي الختام هذه بعض الفوائد المستفادة من أحاديث هذه الرسالة:
1) وجوب تطهير المساجد من القاذورات، ولو لم يكن ذلك واجبا لما باشر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إزالته وهو في شدة الغضب ومن باب أولى وجوب تطهيرها من النجاسات، وعلى هذه الفقرة حديث الامر بصب الماء على بول الاعرابي.
2) وفيها تفقد الإمام للمساجد وتعظيمها في حدود الشرع.
3) وفيها جواز النفخ والتنحنح في الصلاة لأن النخامة لا بد أن يقع معها في الغالب من النفخ والتنحنح.
4) وفيها رد على بعض الشافعية القائلين: إن خروج ثلاثة حروف من الحلق مبطل للصلاة.
5) وفيها أن جهة اليمين أفضل من جهة اليسار.
6) وفيها الحث على الاستكثار من الحسنات وإن كان صاحبها مليا فالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد غفر الله له ذنبه ما تقدم وما تأخر، ومع هذا سارع إلى حك النخاعة بنفسه للإزدياد في الخير.
7) وفيها أن المروءة أن لا تظهر المستقذرات على الثياب لأن النبي لما بزق في ثوبه لف بعضه على بعض، حتى لا تظهر النخاعة.
¥