وعلى هذا؛ فإن الصلاة في المقبرة لا تجوز، والصلاة إلى القبور لا تجوز؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيَّنَ أنَّ المقبرة ليست محلاً للصَّلاة، ونهى عن الصَّلاة إلى القبر، والحكمة من ذلك أنَّ الصلاة في المقبرة أو إلى القبر ذريعة إلى الشِّرك، وما كان ذريعة إلى الشِّرك؛ كان محرَّمًا؛ لأنَّ الشارع قد سدَّ كلَّ طريق تؤدِّي إلى الشِّرك، والشَّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، فيبدأ أولاً في الذَّرائع والوسائل، ثم يبلغ به الغايات.
فلو أنَّ أحدًا من الناس صلَّى صلاة فريضة أو صلاة تطوُّع في مقبرة أو إلى قبر؛ فصلاته غير صحيحة. (المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان ج1/ رقم 117).
وسئل أيضا: يوجد في قريتنا مسجد قديم تقام فيه صلاة الجمعة والجماعة علمًا بأن هذا المسجد يوجد في قبلته مقبرة قديمة وحديثة، كما أن هناك عدة قبور ملتصقة في قبلة هذا المسجد، وكما هو معلوم أن هذه المقبرة يمر في وسطها طريق للرجال والنساء، وأيضًا طريق للسيارات فما هو الحكم في هذا؟ فأجاب: إذا كانت القبور مفصولة عن المسجد ولم يبن المسجد من أجلها، وإنما بني للصلاة فيه، والمقبرة في مكان منعزل عنهلم يقصد وضع المقبرة عند المسجد، ولم يقصد وضع المسجد عند المقبرة، وإنما كل منهما وضع في مكانه من غير قصد ارتباط بعضهما ببعض، وبينهما فاصل فلا مانع من الصلاة في المسجد؛ لأن هذا المسجد لم يقم على قبور. أما قضية مرور الطريق في وسط المقبرة، فالواجب منع ذلك، وتسوير المقبرة وتجنيب الطريق عنها. (نفس المصدر ج2/رقم 149).
فبان من كلام الشيخ حفظه الله أنّ الأصل في الصلاة في المقابر أنّها حرام ولا تجوز وكذلك في المسجد المبني على القبور أو في المقبرة فهذا يأخذ نفس الحكم، أما إذا بني مسجد ثمّ وضعت بجانبه مقبرة منفصلة عنه بحيث لا يشك من رآه أنّه منفصل عن المقبرة إنفصالا تاما فهذا لا حرج من الصلاة فيه.
وكلام الشيخ الثاني هذا لا ينطبق على مسجد البحث لأنّ هذا الأخير إنّما وضع في المقبرة ومن حوله قبور ولا يفصل بين المقبرة والمسجد شيء!!
وجاء في الدرر السنية: ج4 ص -265 - جمع العلامة ابن قاسم رحمه الله تعالى:
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله على الجميع: عن الصلاة في مسجد فيه قبر؟
فأجاب: إن كان مبنياً قبل أن يجعل فيه قبر، فينبش القبر، ويبعد عن المسجد; فإن كان المسجد لم يبن إلا لأجل القبر، فالمسجد يهدم، ولا يصلى فيه، لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن الذين يتخذون المساجد على القبور؛ ولا تصح الصلاة فيه، ولا تجوز الصلاة عند القبور، ولا عليها، لأنه عليه السلام نهى عن الصلاة في المقبرة.
وأجاب أيضاً: المسجد الذي بني على القبور، يجب هدمه، ولا تجوز الصلاة فيه.
وأما القبر الذي وضع في المسجد بعد بنائه، فينقل من المسجد. اهـ
ومسجدنا الذي هو محلّ البحث يأخذ حكم المسجد المبني على القبور ذلك لأنّ الأصل في تلك البقعة من الأرض أنّها مقبرة ثمّ بني المسجد وليس العكس فتنبّه، فالمسجد هو الطارئ لا المقبرة، ولذلك لا سبيل إلى التلبيس على العوام أنّ الشيخ ابن باز عليه رحمة الله قد صحّح الصلاة في المسجد المحاط بالقبور فإنّ كلامه هذا محمول على ما إذا كان المسجد هو الأصل (أي بني أولا) والمقبرة أو القبور طارئة عليه (أي بعد بناء المسجد أخذ النّاس بدفن الأموات من حوله) أمّا مسجد البحث فلا يتناسب مع كلام الشيخ والله أعلم.
وفي نفس الجزء من الدرر قال:
وأجاب الشيخ محمد بن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ سليمان بن سحمان: مسجد الطائف، الذي في شقه الشمالي قبر ابن عباس، رضي الله عنهما، الصلاة في المسجد، إذا جعل بين القبر وبين المسجد جدار يرفع، يخرج القبر عن مسمى المسجد، فلا تكره الصلاة فيه; وأما القبر، إذا هدمت القبة التي عليه، فيترك على حاله، ولا ينبش، ولكن يزال ما عليه من بناء وغيره، ويسوى حتى يصير كأحد قبور المسلمين. اهـ
وهذا يعني أنّه يجب فصل القبر عن المسجد بسور غير سور المسجد فتأكّد ما قلناه آنفا من وجوب فصل المقبرة عن المسجد بسورين لا سور واحد بحيث يكون بين المقبرة والمسجد فاصل يمكن للمرء المرور منه وهذا ما لا يتوافق وحال المسجد المبني وسط المقبرة، فإنّ هذا الأخير لا يفصله عن المقبرة إلا سور واحد!
¥