بعبارة أخرى: المسجد والمقبرة يشتركان في نفس السور. وقد تقدّم النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنّ الصلاة في مسجد هذه حاله لاتصح.
وهذا عالمكم الأكبر عالم الجزائر الأوّل فضيلة الشيخ العلامة أبي عبد المعز محمّد علي فركوس أعزّه الله وحفظه يقرّر بطلان الصلاة في المقابر فيقول:
((أمّا المقبرة فليست موضعا للصلاة فيها، ولا تجوز الصلاة فيها ولا إليها للأحاديث النّاهية عن ذلك، (ثمّ ذكر بعض الأحاديث السابقة ومنها حديث أبي سعيد الخدري الذي جعلناه في المقدّمة ثمّ قال):
هذه الأحاديث المورودة عموم النّهي فيها يشمل جنس الصلاة سواء كان فرضا، أداءً كانت أو قضاءً، أو نفلاً، مطلقا كان أو مقيّدا، كما تعمّ الصلاة على الميّت سواء كانت على الجنازة أو في قبره، لكن لمّا ورد حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: ((مات رجل وكان رسول الله يعوده فدفنوه بالليل، فلمّا أصبح وأعلموه، فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل وكانت الظلمة، فكرهنا أن نشقّ عليك، فأتى قبره فصلى عليه، قال: فأمّنا، وصفّنا خلفه، وأنا فيهم وكبّر أربعا)) ومثله عن المرأة السوداء التي كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد الثابت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فخصّ من عموم نهيه عن الصلاة في المقبرة صورة الصلاة عن الميّت في قبره بهذه الأدلّة وبقي عموم النّهي شاملا للصلاة على الجنازة وغيرها، أي بقاء النّهي من حيث عمومه متناولا ما عدا صورة التخصيص، وبهذا الحمع التوفيقي بين الأدلّة يزول الإشكال وترتفع الشبهة، ويعمل بكلّ دليل في موضعه، ذلك لأنّ الإعمال أولى من الإهمال والعلم عند الله.)) (جريدة منابر الهدى ص64 السنة الثانية العدد السابع 1422هـ)
وقد يقول قائل كما قال صاحب الوريقات العقيمة أنّ بناء مسجد حيال المقبرة وبجانبها لا يعني البناء على القبور فلا يدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلّم فنقول:
قال الإمام الرباني محمّد علي الشوكاني عليه رحمة الله: (وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ أن لا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سوّيته ...
وفي هذا أعظم دلالة على أنّ تسوية كلّ قبر مشرف بحيث يرتفع عن القدر المشروع واجبة متحتّمة.
فمن إشراف القبور: أن يرفع سمكها أو يجعل عليها القباب أو المساجد.
فإنّ ذلك من المنهي عنه بلا شك ولا شبهة ... وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصحّحه النسائي وابن حبان من حديث جابر قال: ((نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) أن يجصّص القبر وأن يُبنى عليه وأن يوطأ)) ... وفي هذا التصريح بالنهي عن البناء على القبور، وهو يصدق على ما بني على جوانب حفرة القبر، كما يفعله كثير من النّاس من رفع قبور الموتى ذراعا فما فوقه. لأنّه لا يمكن أن يُجعل نفس القبر مسجدا.
فذلك مما يدل على أنّ المراد بعض ما يقربه مما يتّصل به، ويصدق على من بنى قريبا من جوانب القبر كذلك، كما في القباب والمساجد والمشاهد الكبيرة، على وجه يكون القبر في وسطها أو في جانب منها.
فإنّ هذا بناء على القبر، لا يخفى ذلك على من له أدنى فهم، ... ومن زعم أنّ في لغة العرب ما يمنع من هذا الإطلاق فهو جاهل لا يعرف لغة العرب، ولا يفهم لسانها ولا يدري بما استعملته في كلامها. اهـ (شرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكاني ص13 - 15 بتصرّف تحقيق العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله، دار الوطن للنشر والإعلام)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((ولا تصح الصلاة في المقبرة، ولا إليها. والنهي عن ذلك إنّما هو لسدّ ذريعة الشرك.
وذكر طائفة من أصحابنا أنّ وجود القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة. لأنّه لا يتناوله اسم المقبرة.
وإنّما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا. وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق.
بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم: يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور. وهو الصواب.
والمقبرة كل ما قبر فيه.
لا أنّه جمع قبر.
وقال أصحابنا: وكلّ ما دخل في اسم المقبرة ممّا حول القبور لا يصلى فيه فهذا ينبني على أنّ المنع يكون متناولا لتحريم الصلاة عند القبر المنفرد، وفنائه المضاف إليه.
¥