قال ابن منظور: الجناح بالضم: الميل إلى الإثم، وقيل: هوالإثم عامة،والجناح: ماتحمل من الهم والأذى. (2)
وأما معنى "فلا جناح عليه أن يطوف بهما" عند السلف:
1 - قال ابن عباس: .... فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:"فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا " يَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِثْمٌ، وَلَكِنْ لَهُ أَجْرٌ". " (1)
2 - عن مجاهد قال: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف، قال: فلم يحرج من لم يطف بهما. (2)
3 - وقال سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،"فِي قَوْلِ اللَّهِ: " فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ " يَعْنِي فَلا حَرَجَ". (3)
4 - قال عروة لعائشة رضي الله عنها: ماأرى جناحا أن لاأتطوف بين الصفا والمروة. قالت: لم.
قلت: لأن الله تعالى يقول:: إن الصفا والمروة من شعائر الله .... الخ. (4)
قال العراقي: اسْتَدَلَّ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ فَاعِلِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لِمَا قِيلَ فِيهِ مِثْلُ هَذَا. (5)
وقال صاحب المبسوط: وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {" فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما "} البقرة: 158. ومثل هذا اللفظ للإباحة لا للإيجاب فيقتضي ظاهر الآية أن لا يكون واجبا ولكنا تركنا هذا الظاهر في حكم الإيجاب بدليل الإجماع. (6)
وقال صاحب كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: .... ولنا قوله تعالى (إن الصفا والمروة ...... ) فرفع الجناح والتخيير ينفي الفرضية، كقوله تعالى (فلاجناح عليهما أن يتراجعا) وقوله (ومن تطوع خيرا) كقوله (ومن تطوع خيرا فهو خيرله) ويؤيد مافي مصحف ابن مسعود وأبي فلا جناح عليه أن لايطوف بهما، وهو إن لم يثبت قرآنا لاينزل عن الخبر المسموع عن رسول الله ...... (7)
وَقال صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ:ولنا قوله تعالى: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158]
ومثله يستعمل للإباحة فينفي الركنية والإيجاب إلا أنا عدلنا عنه في الإيجاب ولأن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به ولم يوجد ثم معنى ما روي كتب استحبابا كما في قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} الآية [البقرة: 180]. (8)
1 - رواه مسلم 3/ 145 رقم 2685باب التخييرفي الصوم والفطرفي السفر- وانظر إلى السلسلة الصحيحة1/ 329رقم193.
2 - لسان العرب2/ 430.
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 402 وحسنه ابن حجر في فتح الباري 5/ 309 رقم 1534.
2 - جامع البيان في تفسير القرآن الطبري 2/ 32.
3 - رواه ابن أبي حاتم في تفسيره1/ 401. وفي سنده عبدالله ابن لهيعة.
4 - رواه مسلم 4/ 69رقم 3140باب بَيَانِ أَنَّ السَّعْىَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رُكْنٌ لاَ يَصِحُّ الْحَجُّ إِلاَّ بِهِ.
5 - طرح التثريب 5/ 398 - 399.
6 - .المبسوط4/ 84.
7 - تبيين الحقائق 4/ 316.
8 - الهداية 1/ 134 باب الإحرام- وطرح التثريب 5/ 400.
والتطوع التي في الآية هي عائدة إلى الصفا والمروة لا إلى معنى آخر، كما يتوهمه البعض. ولأن الله عزوجل ابتدأ بهما فقال:إن الصفا والمروة .. الخ الآية.
قال ابن تيمية: .... فمن قال إنه تطوع احتج بقوله تعالى: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم. فأخبر أنهما من شعائر الله وهذا يقتضي أن الطواف بهما مشروع مسنون دون زيادة على ذلك إذ لو أراد زيادة لأمر بالطواف بهما كما قال: فاذكروا الله عند المشعر الحرام ثم قال: فمن حج البيت أو أعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ورفع الجناح وإن كان لإزالة الشبهة التي عرضت لهم في الطواف بهما كما سيأتي إن شاء الله فإن هذه الصيغة تقتضي إباحة الطواف بهما وكونهما من شعائر الله يقتضي استحباب ذلك فعلم أن الكلام خرج مخرج الندب إلى الطواف بهما وإماطة الشبهة العارضة فأما زيادة على ذلك فلا. ثم قال تعالى:ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم وإذا ندب الله إلى أمر وحسنه ثم ختم ذلك بالترغيب في التطوع كان دليلا على أنه تطوع وإلا لم يكن بين فاتحة الآية وخاتمتها نسب، وعن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ أن لا يطوف بهما.
وعن عطاء في قراءة ابن مسعود أو في مصحف ابن مسعود أن لا يطوف بهما رواهما أحمد في الناسخ والمنسوخ. اهـ (1)
وقال العلامة محمد الكرجي القصاب: فإن زعم زاعم: أن ومن تطوع خيرا) استئناف شيء غيره لا إخبار عن الطواف بهما جعله مجهولا وأولى المعاني به- و الله أعلم- أن يكون إخبارا عن الطواف، كما قال- جلاوتعالى - في كفارة العاجز عن صوم شهر رمضان): وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خيرله.
) أي زاد على مسكين واحدا مجزيا)، وكان الطواف بالبيت مجزيا عن السعي بين الصفا والمروة فصار السعي تطوعا غير أن نقول: من التطوع المؤكد الذي لا نبيح تركه، لأن رسول الله ?? سنه. (2)
1 - شرح العمدة 2/ 623 - 624.
2 - نكت القرآن 1/ 153 - 154.
وقد رأى الشافعي الأخذ بظاهر الآية إن لم يكن هناك مايدفعها عن ظاهرها.
قال ابن المنذر: إن ثبت حديث بنت أبي تجراة .. أنها سمعت النبي ? يقول:"اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" فهو ركن،قال الشافعي:"وإلا فهو تطوع" قال: وحديثها رواه عبدالله بن المؤمل وقد تكلموا فيه. (1)
1 - المجموع شرح المهذب8/ 82.ومثله قول ابن المنذر في الإشراف ينظر في (طرح التثريب5/ 105)
¥