تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

صلاة الجهر لا تجهر جهرا شديدا، بل في خفض وسكون، يسمع من خلفك" ا. ه، وقال ابن الجوزي في زاد المسير: " قوله تعالى: (ودون الجهر من القول) الجهر: الإِعلان بالشيء، ورجل جهير الصوت: إذا كان صوته عالياً" ا. ه، وقال الرازي في تفسيره:" (وَدُونَ الجهر مِنَ القول)، والمراد منه أن يقع ذلك الذكر بحيث يكون متوسطاً بين الجهر والمخافتة " ا. ه، وقال ابن كثير في تفسيره:" قال: (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)، وهكذا يُسْتَحَبُّ أن يكون الذكر لا يكون نداءً ولا جهراً بليغًا" ا. ه،ثم ذكر ابن كثير حديث أبي موسى رضي الله عنه:"ارْبَعُوا على أنفسكم" مبيناً أن المراد به ترك المبالغة برفع الصوت، وقال الألوسي في روح المعاني "والمراد بالجهر: رفع الصوت المفرط وبما دونه: نوع آخر من الجهر" ا. ه، وقال الشيخ السعدي في تفسيره:" (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) أي: كُنْ متوسطاً، لا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها، وابتغ بين ذلك سبيلا" ا. ه، فهذا بعضٌ من كلام المفسرين، وهو ظاهر الدلالة على أن المراد بالآية ترك المبالغة برفع الصوت بالذكر إما حال الصلاة أو مطلقاً على اختلاف عباراتهم، وليس من هؤلاء المفسرين من فهم أن المراد منع مطلق رفع الصوت بالذكر ولو كان متوسطاً أو مسمعاً لمن حوله فحسب، وأظن أن هذا التقرير هو المراد من كلام القرطبي في تفسيره رحمه الله.

وأما دليلهم الثاني: وهو استدلالهم بحديث حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فكنَّا إذا علونا كبرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس ارْبَعوا على أنفسكم ... " الحديث، فهذا الحديث يقال فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن المبالغة برفع الصوت بالتكبير وغيره من الذكر، كما هو ظاهر سبب الحديث وكما دلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم "اربعوا" - أي: ارْفُقُوا واشفقوا على أنفسكم من هذا الرفع البليغ الذي تتأذى به الحناجر وينقطع به الصوت - وهذا ما قرره جمع من أهل العلم كابن كثير في تفسيره - وتقدم -، وابن رجب في فتح الباري فقال:"وأما النهي عن رفع الصوت بالذكر، فإنما المراد به: المبالغة في رفع الصوت؛ فإنَّ أحدَهم كان ينادي بأعلى صوته: ((لا إله إلا الله، والله اكبر)) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تنادون أصم ولا غائباً))، وأشار إليهم بيده يسكنهم ويخفضهم" ا. ه، وقال المناوي في فيض القدير:" وفيه - أي خبر: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي برفع الصوت بالتلبية) - كالذي قبله ندب رفع الصوت بالتلبية في النسك للرجل لكن بحيث لا يتأذى ولا يؤذي وإلا كره لخبر: (ارْبَعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا) " ا. ه، فجعل رفع الصوت المنهي عنه في الذكر هو ما كان مبالغاً فيه بحيث يتأذى الإنسان أو يؤذي غيره، وكذا ذكر هذا ابن عابدين عن بعض فقهاء الحنفية في حاشيته رد المحتار على الدر المختار؛ وأن المنهي عنه إنما يراد به الجهر المُضِرُّ، وقال: "وأما رفع الصوت بالذكر فجائز كما في الأذان والخطبة والجمعة والحج" ا. ه، وقال الكشميري في فيض الباري في شرح البخاري:"قوله: (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ)، ليس فيه نفيُ الجهر مطلقاً. ولكنَّه لمَّا رأى النَّاسَ مجهودين من أجل شدَّة الجهر، أَرْشَدَهم إلى ما كان أرفقَ، وأيسرَ لهم، وهو الجهرُ المتوسطُ، وعلَّمهم أنَّ لا حاجةَ إلى الجهر المُفْرِطِ، فإنهم لا يَدْعُون أصمَّ ولا غائباً"، وكذا حمله على المبالغة بالرفع الشيخ ابن عثيمين (فتاوى 13/ 249)، وخلاصة أجوبة أهل العلم في هذا الحديث أن المنهي عنه فيه يتوجه إلى أمور: 1 - المبالغة برفع الصوت بالذكر 2 - الدعاء، فقد حمله كثير من المصنفين على النهي عن رفع الصوت بالدعاء، ولكن الغالب أن من حمل النص على الدعاء لم يرد أن النهي في حديث أبي موسى رضي الله عنه قد ورد في الدعاء، وإنما يريدون أنه إن نهى عن رفع الصوت بالذكر فمن باب أولى النهي عن رفع الصوت بالدعاء، وقد وردت النصوص بالنهي عنه وتقدَّمَ ذكرُها 3 - أنه يُرَادُ به النهي عن رفع الصوت بالذكر عند الغزو، وهذا خطر على أهل الإسلام إذ قد يتنبه لهم العدو فيستعدوا لهم بمكيدة من كمين وغير ذلك، وهذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير