تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذكره ابن عابدين في حاشية رد المحتار، 4 - أنه لما كان رفع الصوت بالذكر هنا لغير مصلحة وفيه إشقاق على الصحابة خاصة والحال حالَ سفر وتعب أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى خفض الصوت وتوفير القوة والطاقة، ومثله مما يسن فيه الخفض ما خيف معه الرياء، أما حيث وجدت المصلحة من رفع الصوت فإنه يرفع صوته كأن ينشط نفسه على الذكر ويطرد النوم ولم يخش رياءً، وكذا تكون المصلحة بالرفع فيما وردت النصوص فيه بالرفع، وهذا ما قرره الشيخ عبد العزيز بن باز في فتاويه وغيره من أئمة العلم المحققين كما في الموسوعة الفقهية الكويتية.

وأما دليلهم الثالث: والذي قرره ابن بطال وقبله الشافعي رحمهما الله، وأن هذا لم يكن بالأمر المعروف بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عن أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فهذا جوابه: أن رفع الصوت بالذكر أمر معروف في العهد النبوي نقله ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهما وذكراه بصيغة كان المقترنة مع المضارع، وهي المفيدة للتكرار، وابن عباس رضي الله عنه أضاف هذا الفعل إلى عهد النبوة ولم يخصصه بفترةٍ محدودة من عصر النبوة فدل على استمراره، وجاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يجهرون بالذكر دبر الصلوات المكتوبة حتى يُسْمِعُونَ من إلى جانبهم كما تقدم في قول: (اللهم أنت السلام)، وأما حمل قول ابن عباس رضي الله عنه على أنهم تركوا هذا بعد عهد النبوة فهذا بعيد ولا يدل عليه الحديث بل هذا من قلْبِ دلالةِ الحديث، وغاية الحديث أن ابن عباس رضي الله عنه أراد أن يذكُرَ سنّة عمليةً وإقرارية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مصعب بن الزبير أمير العراق يرفع صوته بالذكر وهو من أبناء الصحابة وفي عصر توافر فيه الصحابة الكرام رضي الله عنهم وسادات التابعين في العراق وغيرها من الأمصار، ولا يعرف إنكار هذا من الصحابة رضي الله عنهم، وكذا النووي ينقله عن بعض سلف الأمة، فلا مسوغ بعد هذا لرد مثل هذه السنة لمجرد أنه ما بلغنا النقل في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم أو لأنَّ ابن عباس رضي الله عنهم أضاف هذا إلى عهد النبوة فقط، ثم يقال: لو قصد ابن عباس رضي الله عنه أن يبن عندما حدَّث بهذا الحديث أن الناس تركوا هذا، فلا يعني أن الذين تركوه هم الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن من المحتمل أنَّ ابن عباس رضي الله عنه حدَّث بمثل هذا بعد تفرُّقِ الصحابة ووفاة الخلفاء الراشدين وأكثر الصحابة، ولذا قال ابن حجر في فتحه معلقا على استدلال ابن بطال هذا: "قال ابن بطال: وفي السياق إشعار بأن الصحابة لم يكونوا يرفعون أصواتهم بالذكر في الوقت الذي قال فيه ابن عباس رضي الله عنهم ما قال، قلت - ابن حجر -: في التقييد بالصحابة نظر، بل لم يكن حينئذ من الصحابة إلا القليل " ا. ه، ولعله مما يعتذر به لابن بطال رحمه الله أنه نظر إلى لفظ ابن عيينة الخاص بالتكبير ثم استشكل أن يكون تكبيراً عقب الصلاة على الفور إذ التكبير المعروف في الأذكار هو ما كان مع التسبيح والتحميد ثلاثاً وثلاثين وهذا في الغالب أنه يتأخر عن الاستغفار وقول: (اللهم أنت السلام ... )، وعن التهليل، ثم لماذا يرفع الصوت بهذا التكبير دون غيره وهو قرين التسبيح والتحميد بالعدد والحال؟ هذا لعله استشكال ابن بطال، ورأى أن القول بخبر ابن عباس رضي الله عنهم على لفظ ابن عيينة فيه ذريعة والتزام لاستحداث تكبير خاص بعدد خاص بصفة خاصة دبر الصلاة مباشرة، ورأى أن هذا ليس من عمل الصحابة رضي الله عنهم ولا السلف من بعده ولا يعرفه العلماء، هذا ما بدا لي والله أعلم من استشكال ابن بطال وهو ما استشكله - تبعاً لابن بطال - ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام وابن الهمام الحنفي في فتح القدير على الهداية، والجواب عن هذا أن يقال: 1 - إن المتأمل بالنصوص والذي يجمع بعضها إلى بعض يرى أنه ليس المراد بالحديث هو خصوص التكبير، لأن النصوص إنما وردت برفع الصوت بالتهليل أيضاً، وبقول: (اللهم أنت السلام ... ) 2 - لفظ ابن جريج جاء على العموم بلفظ (بالذكر)، ولاينبغي هنا أن نعمل الخاص ونهمل العام، لأننا نقول: من ذكر الخاص إنما روى الحديث بالمعنى وذكر بعض أفراد العموم، ومن ذكر العام فمعه زيادة علم وهي زيادة من عدل ثقة تلقاها الأئمة بالقبول وخرَّجها صاحبا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير