تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[28 - 11 - 08, 01:17 م]ـ

الشق الثاني من البحث: بيان عدم استلزام صحة حد الصفا والمروة حسب المسعى القديم القولَ ببطلان التوسعة الحادثة.

نقول وبالله التوفيق:

على التسليم بأن التوسعة الأخيرة في عهد الملك سعود قد استوعبت عرض جبلي الصفا والمروة؛ فإن هذا لا يعني بالضرورة بطلان التوسعة الحادثة؛ وذلك للأسباب التالية:

1 - أن التوسعة الحالية هي في معنى الضرورة، ولا يرتاب أحدٌ أن من الأمر المعتاد في المواسم أن ينحصر الناس بين جدران المسعى القديم إلى حد الاختناق، والسعيد هو الطويل الفارع، أما الأطفال فليس لهم إلا أكتاف آبائهم، ولا يكادون يمشون إلا تدافعاً، وهم في ذلك متراصَّون رصَّاً متضامَّاً.

بل أقول: إن هذه الصورة لا أستبعد أن تنطبق حتى في التوسعة الحديثة، مما يؤكد أن الأمر أمر ضرورة، وأمر جد لا هزل.

وجواب المانعين: أن الضرورة تندفع بالاتساع الرأسي عن طريق الطوابق.

قلت: تم استنفاذ الطوابق العلوية إلى السطح، فإلى أي سقف من الفضاء تقفون! ثم ألا يلزم من هذا مشقة أخرى في الصعود إلى الأدوار المرتفعة: إلى الرابع، وإلى الخامس وإلى السادس ... لاسيما مع بقائه بنفس العرض السابق مما يعني ارتفاعاً رأسيا مرهقاً.

ثم ألستم تكررون أن الصفا جبيل صغير، وأنه صخيرات، وأنه في أصل جبل أبي قبيس، فكيف تسعون من فوقه، أخشى أن يكون المسعى إذا تمادى في الارتفاع أن يكون أقرب في الصورة إلى أبي قبيس وقعيقعان، منه إلى الصفا والمروة.

ثم ما دام أنه يجوز الارتفاع رأساً مع أن الجبل صغير، وإنما هو صخيرات، فلماذا لا يجوز أفقياً، فكله قدرٌ زائد عن الجبيل الصغير، إن طولاً، وإن عرضاً.

وللمانعين إيرادٌ على كون التوسعة ضرورة، وهو قولهم:

إن هذه الضرورة إنما تقتصر على أوقات الزحام، والمجيزون لا يقصرونه على ذلك.

ونقول لهم:

نعم، نحن لا نقصره على وقت الزحام؛ لأن لنا في ذلك أدلة أخر، لكن نحن نلزمكم بمقتضى هذه الصورة من الضرورة؛ فهل تمانعون؟.

ثم إن القاعدة النبوية:

أن الضعيف هو أمير الركب، فولاة الأمر في توسعتهم إنما ينظرون في مقدار التوسعة التي يحتاج إليها الناس: إلى وقت الشدة، لا إلى وقت الرخاء.

2 - لو افترضنا أن المسعى كان من غير جدار، لا عن اليمين ولا عن اليسار؛ فهل يمكن للناس بجموعهم المكتظة في أيام المواسم المزدحمة أن ينحصروا في مقدار المسعى القديم ذا العشرين متراً!

من المقطوع به أنهم لن يستطيعوا أن يتكاتفوا في ذلك المكان ولا بد أن يتسرَّبوا: المقبلون من الصفا إلى أيمانهم، والمقبلون من المروة إلى أيمانهم، يعرف ذلك ويوقنه من نظر إلى ذلك الموقف المهيب، فضلا عمن عايشه.

ثم حينها سيستفتي الناس علماءهم عن صحة سعيهم هذا ولما يقدروا أن ينحشروا في ذلك الموضع الذي لا يكفيهم، وسيختلف العلماء حينها إلى أقوال، ثم تستقر أقوالهم إلى أنها حال ضرورة، وأنهم ما داموا متصلين مع الساعين بين الصفا والمروة، وأنهم ما داموا يصدرون من الصفا، ثم يعودون من المروة فإنه يطمئن إلى صحة سعيهم؛ لأن دلالة الآية هي أن يطوفوا بين الصفا والمروة وهؤلاء يطوفون بينهما، وإنما اتسعت دائرتهم لازدحامهم، فصاروا يسعون بينهما، ولكن لشدة الزحام ينحرف الذاهبون إلى أيمانهم، وينحرف العائدون إلى أيمانهم أيضاً، فتتسع الجهتين بهذه الطريقة ضرورة، لا اختياراً.

وحينها فأي مفتي يوقع الحرج بالإفتاء بعدم الإجزاء فإنه يؤخذ في أشد أيام الموسم إلى ذلك الموضع ثم يطلب منه أن ينحصر في ذلك الموضع! وأنى له؛ وهل في مفردات الشريعة مثل هذا الحرج: أن ينحصر الناس في موضع لا يسعهم!

وهل يستطيع أحدٌ أن ينازع في أن الضعيف لن يستطيع أن يبقى في دائرة العشرين مترا، والحال كما افترضت لك، فإن استطاع هذا الضعيف أن يقحم نفسه بين الناس فإن أمر بقائه معهم، واستمراره في جملتهم هو موكول إلى أولئك الناس، إما في ذهابه إلى الصفا وإما في إيابه من المروة، فأمره بيدهم لا بيده، إما أن يقودوه في وسطهم، وإما أن يقذفوه إلى موضع يملك فيه نفسه، ويبصر فيه ما حوله!!.

فكيف لو افترضنا أن المسعى من غير جدران، وأيضاً: من غير هذه الطوابق الثلاثة، فيا ترى ما هو حال الناس؟

وحتى لا ينسي آخر الكلام أوله، أعود فأطرح السؤال بشكل مباشر، وأقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير