تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[28 - 11 - 08, 01:21 م]ـ

المبحث الثالث: وقفة تأمل في مقولة الشافعي: قال الشافعي في القديم:

"فإن التوى شيئا يسيرا أجزأه، وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز."

قلت:

أجمع الشافعية على تقدم إمامهم، وهذه منزلةٌ للشافعي عند أصحابه لا ينازعه فيها أحد لا الشافعية ولا غيرهم؛ بل إن الدارس لكلام الشافعي رحمه الله يجد له تقدما وتبرَّزاً بين كبار الأئمة، عرفه أهل عصره قبل غيرهم، مع أن المنية اخترمته ولم يجاوز الخمسين إلا ببعض سنوات.

ونحن هنا ندرس كلام الإمام الشافعي، ونأخذ بالاعتبار كلام أصحابه، لكن من غير أن ننقض على هذا الإمام اجتهاده.

فهنا يقول الشافعي رحمه الله:

إن الساعي بين الصفا والمروة إن التوى شيئا يسيرا أجزأه ولم يفسد ذلك سعيه بين الصفا والمروة، لكنه إن عدل كثيرا حتى فارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين فإن هذا لا يجزيه.

ويبدو لي أن قول الشافعي رحمه الله فيه فقه ظاهر:

فهو يقول إن الانحراف اليسير عن المقدار المعروف بين الصفا والمروة لا يضر؛ ويبدو أن سبب ذلك هو أن هذا الانحراف اليسير لا يخرجه عن كونه ساعياً بين الصفا والمروة على ما ورد في الآية الكريمة: "فلا جناح عليه أن يطوف بهما"، ومن التوى هذا المقدار اليسير لا يقال عنه إنه لم يسع بين الصفا والمروة.

أما ذاك الذي انحرف حتى خرج من الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين إلى محلٍ ناء؛ فهذا لا يقال عنه إنه سعى بين الصفا والمروة حتى ولو كان داخلاً في مقدار التوسعة اليوم؛ لأن من دخل في تلك الشعاب وانحرف عن اتجاه السعي، وراوح بين تلك الطرق؛ لا يقال عنه إنه سعى بين الصفا والمروة، ولذا لما هدم ابن الزبير الكعبة بنى أعمدة حتى يتجه الناس إليها، وقد ذكر الفقهاء أن من صلى إلى الكعبة فلا بد أن يكون متجهاً إلى شيء قائم؛ لذا فلم يصححوا من صلى في الكعبة عند بابها متجهاً إلى الخارج.

والأمر كذلك في الصفا والمروة فهما من شعائره، والتي أُمِرَ الناس أن يطوفوا بهما.

وقال الشرواني في حواشيه على تحفة المحتاج:

(الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذ لا نص فيه يحفظ عن السنة فلا يضر الالتواء اليسير لذلك).

و قال الرملي في (نهاية المحتاج):

(ولم أرَ في كلامهم ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر كما نص عليه الشافعي).

قلت:

وقد تعقب جماعة من الشافعية مقالة إمامهم، واستغربوها، وبما قررناه في هذا البحث، وبما نقلنا عن المعلمي فإنا نجد أن قوله غايةٌ في الفقه والنظر.

ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[28 - 11 - 08, 01:24 م]ـ

وأخيراً:

فإنا نحمد الله تبارك وتعالى على يسره وتوفيقه، وعلى ما أنعم علينا من شريعته المحكمة المتقنة، فقد وقع في مسألتنا هذه ربط السعي بين الصفا والمروة بالبينية، ولم يقيدها – سبحانه - بسعي النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فقد لحق الناس بذلك حرجٌ شديد، وكلفة ومؤونة بالغتين، ولهذا وقع من بعض أهل العلم إشكال في انحراف المسعى في بعض الأزمنة عن المحل الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أدخل في المسجد الحرام ثم أعيد منه، فالحمد الله أولاً وآخراً، ولو لم يكن في هذه النازلة إلا تأمل تفصيل آياته، وإلا التفكر في دقة شرائعه، وإلا الاستغراق في أسرار ألفاظه لكانت غايةً في الظفر، والله ينعم على من يشاء من عباده؛ إنه لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم.

النتائج:

1 - لو كان المسعى الجديد حادث؛ فإن الإجماع على منعه حادثٌ أيضاً.

2 - الإجماعات القديمة المتوالية على صحة المسعى بحدود الأذرع القديمة لا تقتضي عدم صحة التوسعة الحادثة؛ بل هي تدل على جواز التوسعة متى ما دعت إليها الحاجة، وكانت في حدود البينية بين الصفا والمروة.

3 - مرجع الخلاف في المسألة اليوم هو في حدود البينية بين الصفا والمروة؛ لأن المانعين مسلِّمين بجواز التوسعة الحادثة في زمن المهدي وقد وهدم فيها أكثر دار ابن عباد، ومسلِّمين بجواز التوسعة الحادثة في زمن الملك سعود مع ما وقع فيها من الزيادة، وهدم دار الشيبي ومحل الأغوات التفاتاً إلى استيعاب البينية بين الصفا والمروة، وعدم مجاوزتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير