تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يمكن أنْ يُسْتَشْهَد به على أنَّ رأي ابن حزم في أبي حنيفة كان حسناً في الجملة، والتي تخالف تماماً نظرته الحادة تجاه مدرسته، هو تذكيره الدائم للحنفية بقواعد إمامهم التي خالفوها، ومِنْ ذلك مثلا قوله: "فإنَّ جميع أصحاب أبي حنيفة مجمعون على أنَّ مذهب أبي حنيفة: أنَّ ضعيف الحديث أولى عنده مِن القياس والرأي. " ()

ويؤكِّد هذا أيضاً: أنَّ ابن حزم / أعلن قولا لا يسرُّه أنَّ تقليد الآراء لم يكن قط في قرن الصحابة، ولا في قرن التابعين، ولا في قرن تابع التابعين، وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على لسان النبي ?، وأنه لا سبيل إلى وجود رجل في القرون الثلاثة المتقدِّمة قلَّد صاحباً أو تابعاً أو إماماً أخذ عنه جميع قوله كما هو. ()

ومعلومٌ أنَّ أبا حنيفة / كان مِنْ كبار أتباع التابعين، بل "ذُكِرَ عنه أنه رأى أنس بن مالك ?" ()، وهذا يدلك أنَّ ابن حزم لم تتسلَّط ردوده على أبي حنيفة، بقدر ما قصدت أتباعه ومقلِّديه.

وفي المقابل نجد أنَّ ابن حزم في مواطن أخرى يذكر أبا حنيفة أو قوله بطريقة توحي بسخطه مِنْ طريقته في اعتبار الرأي. ()

ولعلَّنا نخلص من هذين الموقفين المتباينين مِنْ ابن حزم تجاه أبي حنيفة أنه رضي شخصه لِما كان عليه الإمام أبو حنيفة مِن الدِّين والورع، والإجتهاد، وعدم تقليد الآراء، وإنْ كان في نفس الوقت لم يرض منه طريقته في اعتبار الرأي والقياس، وتقديمه أصول أهل الكوفة على خبر الآحاد، وغير ذلك مِن المآخذ المعروفة على مدرسة أهل الرأي.

وهذا الرأي الآخَر مِنْ ابن حزم أخفّ حدة مِنْ رأي فريق كبير مِنْ أهل الحديث شاع عنهم الكلام في أبي حنيفة ()، وقد حسم المحقِّقون مِنْ أهل العلم الموقفَ تجاه أبي حنيفة، فانتصفوا له، وعلى رأس هؤلاء الإمامان: ابن عبد البر، وابن تيمية، واعتبرا الكلام في أبي حنيفة إفراطاً في الذم، وتجاوزاً للحد، وبيَّنا أنَّ الإمام أبا حنيفة كان يحسد لفهمه وفطنته، كما كان ينسب إليه ما ليس فيه، ويختلق عليه ما لا يليق به، وهي كذب عليه قطعا. ()

وأجدني آسَف على إثارة هذه المسألة، فلم أكن شغوفاًً بتتبُّع ما قاله ابن حزم، أو غيره في أبي حنيفة بقدر ما قصدت تحسس موقفه تجاهه، والذي يبرِّرُ موقفه المتشدد منه، وأنَّ ابن حزم – غفر الله له – كان يسير ضمن ذلك التيار السائد، وقد ألمح ابن حزم إلى هذا المعنى في غير ما موضع. ()

ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[29 - 01 - 09, 12:18 م]ـ

يقول ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 1080):

قال أبو عمر: وأفرط أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة رحمه الله وتجاوزوا الحد في ذلك والسبب الموجب لذلك عندهم إدخاله الرأي والقياس على الآثار واعتبارهما

وأكثر أهل العلم يقولون: "إذا صح الأثر من جهة الإسناد بطل القياس والنظر

وكان رده لما رد من الأحاديث بتأويل محتمل وكثير منه قد تقدمه إليه غيره وتابعه عليه مثله ممن قال بالرأي وجل ما يوجد له من ذلك ما كان منه اتباعا لأهل بلده كإبراهيم النخعي وأصحاب ابن مسعود إلا أنه أغرق وأفرط في تنزيل النوازل هو وأصحابه، والجواب فيها برأيهم واستحسانهم فيأتي منهم في ذلك خلاف كثير للسلف، وشنع هي عند مخالفيهم بدع.

وما أعلم أحدا من أهل العلم إلا وله تأويل في آية أو مذهب في سنة ردَّ من أجل ذلك المذهب بسنة أخرى بتأويل سائغ أو ادعاء نسخ إلا أن لأبي حنيفة من ذلك كثيرا وهو يوجد لغيره قليل .....

قال أبو عمر: ليس أحد من علماء الأمة يثبت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يردون ادعاء نسخ ذلك بأثر مثله أو إجماع أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه أو طعن في سنده ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته فضلا عن أن يتخذ إماما، ولزمه اسم الفسق، ولقد عافاهم الله عز وجل من ذلك.

ثم قال:

"لم يعن أحد بنقل قبيح ما قيل فيه كما عنوا بذلك في أبي حنيفة لإمامته، وكان مع هذا أيضاً يحسد وينسب إليه ما ليس فيه، ويختلق عليه ما لا يليق به، وقد أثنى عليه جماعة وفضلوه، ولعلنا إن وجدنا نشطة نجمع من فضائله وفضائل مالك والشافعي والثوري والأوزاعي رحمهم الله كتابا أمَّلنا جمعه قديما في أخبار أئمة الأمصار إن شاء الله تعالى."

وقال في الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء ص184:

"وأذكر في هذا الجزء إن شاء الله تعالى بعض ما حضرني ذكره من أخبار أبي حنيفة وفضائله وذكر بعض من أثنى عليه وحمده ونبذا مما طعن فيه عليه لرده بما أصَّله لنفسه في الفقه وردَّ بذلك كثيرا من أخبار الآحاد الثقات إذا لم يكن في كتاب الله أو ما أجمعت الأمة عليه دليل على ذلك الخبر، وسماه الخبر الشاذ وطرحه.

وكان مع ذلك لا يرى الطاعات وأعمال البر من الإيمان فعابه بذلك أهل الحديث فهذا القول يستوعب معنى ما لهج به من طعن عليه من أهل الأثر.

وقد أثنى عليه قومٌ كثير لفهمه وفطنته وحسن قياسه وورعه ومجانبته السلاطين فنذكر في هذا الكتاب عيونا من المعنيين جميعا إن شاء الله تعالى وهو حسبنا ونعم الوكيل."

وقال في موضع آخر ص176:

كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة لرده كثيرا من أخبار الآحاد العدول لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع عليه من الأحاديث ومعاني القرآن فما شذ عن ذلك رده وسماه شاذا ...

وكان مع ذلك محسوداً لهمه وفطنته".

ويقول ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (20/ 304، 305):

"ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم وتكلم:

1 - إما بظن.

2 - وإما بهوى.

فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضي بالنبيذ في السفر مخالفة للقياس وبحديث القهقهة في الصلاة مع مخالفته للقياس؛ لاعتقاده صحتهما وإن كان أئمة الحديث لم يصححوهما. وقد بينا هذا في رسالة " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " وبينا أن أحدا من أئمة الإسلام لا يخالف حديثا صحيحا بغير عذر بل لهم نحو من عشرين عذرا."

ويقول في منهاج السنة 2/ 219:

كما أن أبا حنيفة وإن كان الناس قد خالفوه في أشياء وأنكروها عليه، فلا يستريب أحدٌ في فقهه وفهمه وعلمه، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه وهي كذبٌ عليه قطعا ... "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير