تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي «الصحيحين» عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: قصرت عن رسول الله r بمشقص وهو على المروة.

وفي لفظ عند مسلم: قال لي معاوية: أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله r عند المروة بمشقص.

فلو كان الأخذ من اللحية من النسك لبينه رسول الله r أو لنقل عنه, ومن المعلوم أن صفة حجه وعمرته عليه الصلاة والسلام نقلت بالتفصيل.

ولم ينقل أحد أنه أخذ من لحيته أو أرشد الناس إلى ذلك, ولم ينقل هذا عن كبار الصحابة ولا الغالب منهم كما تقدم, وإنما نقل عن أفراد منهم, وعلى هذا يحمل ما جاء عن جابر وعطاء بن أبي رباح, فقول جابر: «كنا» ليس حكمه الرفع هنا؛ لأن هذا مخالف لما تقدم عنه عليه الصلاة والسلام من أخذه لشعر رأسه فقط, وهذا الذي جاء في الكتاب والسنة.

ومثله ما جاء عن عطاء: كانوا يحبون أن يعفو اللحية إلا في حج أو عمرة.

فهذا محمول على البعض, ومن المعلوم أن عطاء لم يشاهد كبار الصحابة, ولا غالبيتهم.

وأما ما رواه عطاء عن ابن عباس في تفسير التفث أنه الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب والأظفار واللحية.

فالجواب عن ذلك: أن ما ذكره بعضه دلت عليه الأدلة, وبعضه لم تدل عليه, فأما الذي دلت عليه الأدلة فهو:

الرمي ولا خلاف فيه, وكذا الذبح والحلق والتقصير, فكل هذه قد جاءت بها الأدلة.

وأما الأخذ من الشارب فلا خلاف فيه أيضا, وقد أمرت السنة بجز الشوارب وبإنهاكها.

وأما الأظفار فأخذها من الفطرة, ولم يرخص النبي r بتركها أكثر من أربعين يوما، وقد قال ابن خزيمة في بيان صفة حجه r: ( باب استحباب تقليم الأظفار مع حلق الرأس) ثم ساق من طريق أربعة – وهم: بشر بن السري, وموسى بن إسماعيل, وحسان بن هلال ([5]) , وعبدالصمد بن عبدالوارث كلهم من طريق أبان العطار: حدثنا يحيى – وهو ابن أبي كثير – أن أبا سلمة حدثه أن محمد بن عبدالله بن زيد أخبره أن أباه شهد النبي r عند المنحر هو ورجل من الأنصار فحلق رسول الله r رأسه في ثوبه, فأعطاه, فقسم منه على رجال, وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه, قال: فإنه عندنا مخضوب بالحناء والكتم أو بالكتم والحناء.

قلت: وفي رواية عبدالصمد أن محمد بن عبدالله بن زيد قال: أن أباه حدثه. قال ابن خزيمة: لم يقل أحد ذلك غير عبدالصمد.

قلت: وهذا إسناد جيد, وإن كان صورته صورة المرسل, ومحمد بن عبدالله بن زيد من كبار التابعين, وقال ابن منده: إنه ولد في عهد رسول الله r, والظاهر أنه أخذه عن أبيه؛ لأنه يروي قصة وقعت لوالده, وهو من أعلم الناس به, وقد أخبر أن شعره عليه الصلاة والسلام موجود عندهم, وأنه قد خضب بالحناء والكتم.

ورواية عبدالصمد بن عبدالوارث المسندة قد خرجها أيضا الإمام أحمد، وفي روايته أن محمد بن عبدالله رواه عن أبيه.

ورواه أحمد أيضا عن أبي داود الطيالسي عن أبان فقال: عن أبيه.

قلت: ورواية الجماعة أولى, وكلهم من الثقات الأثبات، مع أن الرواية الثانية أيضا من رواها من الثقات المشهورين, وعند التحقيق ليس بينهما اختلاف.

وقال ابن المنذر في «الإشراف» (3/ 355): (باب أخذ الأظفار مع حلق الرأس, ثبت أن رسول الله r لما حلق رأسه قلم أظفاره) ا. هـ.

وأما الأخذ من اللحية في الحج وأنه من إزالة التفث فهذا لم يأت عليه دليل, بل الأدلة بخلافه كما تقدم.

وأما ما جاء عن ابن عباس أنه من التفث, فهذا فيه نظر أيضا لما تقدم, ولو كان كذلك لكان إما واجبا أو مستحبا, ولا أعلم أحدا قال بذلك, ولذا لم يذكر في كتب أهل العلم الحث على الأخذ من اللحية في الحج أو في العمرة.

بل جاء عن بعض أهل العلم رد على هذا القول:

قال الربيع بن سليمان: (قلت: فإنا نقول: ليس على أحد الأخذ من لحيته وشاربه, إنما النسك في الرأس. قال الشافعي: وهذا مما تركتم عليه بغير رواية عن غيره عندكم علمتها) ([6]) ا. هـ.

وقال الشافعي في الأم (3/ 546): (وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربه حتى يضع من شعره شيئا لله, وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية) ([7]) ا. هـ.

قلت: وهذا الاستحباب من الشافعي بين رحمه الله أنه منه, ولم يذكر دليلا على ذلك, وبين أن النسك إنما هو في الرأس.

ولذا قد بين الجويني والكاساني أن هذا ليس عليه دليل, ومثلهما المباركفوري:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير