فقال الجويني – كما في «المجموع» للنووي () -: (ولست أرى ذلك وجها إلا أن يكون أسنده إلى أثر) ا. هـ.
وقال الكاساني في «بدائع الصنائع» (2/ 141): (وليس على الحاج إذا حلق أن يأخذ من لحيته شيئا, وقال الشافعي: إذا حلق ينبغي أن يأخذ من لحيته شيئا لله تعالى, وهذا ليس بشيء؛ لأن الواجب حلق الرأس بالنص الذي تلونا؛ ولأن حلق اللحية من باب المثلة؛ لأن الله تعالى زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب على ما روي في الحديث: «إن لله تعالى ملائكة تسبيحهم: سبحان من زين الرجال باللحى, والنساء بالذوائب» ([8]) ولأن ذلك تشبه بالنصارى فيكره) ا. هـ.
وقال المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (8/ 39): (وأما قول من قال: إنه إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، واستدل بآثار ابن عمر وعمر وأبي هريرة رضي الله عنهم فهو ضعيف؛ لأن أحاديث الإعفاء المرفوعة الصحيحة تنفي هذه الآثار، فهذه الآثار لا تصلح للاستدلال بها مع وجود هذه الأحاديث المرفوعة الصحيحة، فأسلم الأقوال هو قول من قال بظاهر أحاديث الإعفاء وكره أن يؤخذ شيء من طول اللحية وعرضها، والله تعالى أعلم) ا. هـ.
وقد يقول قائل: إن الأمر بتوفير العثنون وعدم قصه على الاستحباب, وليس على الوجوب, بدليل أن الرسول r سئل في هذا الحديث عن أشياء أخرى, وحمل أمره بها على عدم الوجوب, وهي في قوله r: « ائتزروا وتسرولوا, وتخففوا وانتعلوا».
فأقول وبالله تعالى التوفيق: الجواب عن هذا الاستدلال الضعيف من وجهين:
الوجه الأول: أن دلالة الاقتران عند الأصوليين ضعيفة.
والوجه الثاني: أن الأدلة دلت على وجوب توفير اللحية وعدم الأخذ منها, وهي متعددة ومتنوعة, وقد تقدم ذكرها، بخلاف باقي هذه الأشياء التي ذكرت في هذا الحديث, فإن الدليل دل على عدم وجوبها.
رابعاً: أن الشارع قد نهى عن ما هو أبلغ من القص، فقد نهى عن نتف الشيب، كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مرفوعاً؛ وله طرق وألفاظ:
1. فقد جاء من طريق: عمارة بن غزية، عنه؛ مختصراً بلفظ: (نهى عن نتف الشيب). عند النسائي (5068).
2. وتابعه: محمد بن إسحاق، عند أحمد (2/ 206)، والترمذي (2821)، وابن أبي شيبة (13/ 259) برقم (26472) -ومن طريقه ابن ماجه (3721) - جميعهم من طريق: عبدة بن سليمان عنه به، ولفظه: (نهى رسول الله e عن نتف الشيب). قال الترمذي: (هذا حديث حسن، قد روي عن عبد الرحمن بن الحارث وغير واحد عن عمرو بن شعيب).
ورواه أحمد (2/ 207) من طريق: يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق، ولم يصرح بالتحديث كالسابق، وذكره مطولاً بلفظ: (نهى رسول الله e عن نتف الشيب)، وقال: (هو نور المؤمن)، وقال: (ما شاب رجل في الإسلام شيبة إلا رفعه الله بها درجة، ومُحيت عنه بها سيئة، وكُتبت له بها حسنة).
3. وتابعه أيضاً: عبد الحميد بن جعفر، عند أحمد (2/ 210) بلفظ: (لا تنتفوا الشيب، فإنه نور المسلم، من شاب شيبة في الإسلام كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة).
4. وتابعه أيضاً: محمد بن عجلان، عند أحمد (2/ 179)، وأبو داود (4202)، والبيهقي في الكبرى (7/ 311)، والشعب (5/ 209) ([9]) ولفظه: (لا تنتفوا الشيب، فإنه ما من عبد يشيب في الإسلام شيبة إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة).
5. وتابعه أيضاً: عبد الرحمن بن الحارث، عند أحمد (2/ 212) من طريق: عبدالرحمن بن أبي الزناد، والبيهقي في الكبرى (7/ 311)، والشعب (5/ 209) من طريق: المغيرة بن عبدالرحمن؛ كلاهما عن ابن الحارث به ولفظه: (أن رسول الله e نهى عن نتف الشيب) وقال: (إنه نور الإسلام).
6. وتابعه أيضاً: ليث بن أبي سليم، عند أحمد (2/ 179) ولفظه: (لا تنتفوا الشيب، فإنه نور المسلم، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب له بها حسنة، ورُفع بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة).
7. وتابعه أيضاً: عبد الله بن لهيعة، عند البيهقي في الكبرى (7/ 311) ولفظه: (لا تنزعوا الشيب، فإن أحدكم لا يشيب شيبة في الإسلام إلا رفعه الله تعالى بها درجة، وكتب له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة).
وسلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، من السلاسل المشهورة، وقد جاء فيها عشرات الأحاديث، واختلف العلماء في الاحتجاج بها.
¥