قد سلك بعض المتأخرين في ذلك طريقة في بعضها وهو أن الداعي يستحب له أن يجمع بين تلك الالفاظ المختلفة ورأى ذلك افضل ما يقال فيها فرأى انه يستحب للداعي بدعاء الصديق رضي الله عنه أن يقول اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا ويقول المصلي على النبي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته وارحم محمدا وآل محمد وازواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وكذلك في البركة والرحمة
ويقول في دعاء الاستخارة اللهم أن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري وآجله // حديث صحيح // ونحو ذلك
قال ليصيب ألفاظ النبي يقينا فيما شك فيه الراوي ولتجتمع له الادعية الآخر فيما اختلفت الفاظها
ونازعه في ذلك آخرون وقالوا هذا ضعيف من وجوه
أحدها أن هذه طريقة محدثة لم يسبق اليها أحد من الأئمة المعروفين
الثاني أن صاحبها أن طردها لزمه أن يستحب للمصلي أن يستفتح بجميع أنواع الاستفتاحات وان يتشهد بجميع أنواع التشهدات وان يقول في ركوعه وسجوده جميع الاذكار الواردة فيه وهذا باطل قطعا فإنه خلاف عمل الناس ولم يستحبه أحد من أهل العلم وهو بدعة وان لم يطردها تناقض وفرق بين متماثلين
الثالث أن صاحبها ينبغي له أن يستحب للمصلي والتالي أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلاوة في الصلاة وخارجها قالوا ومعلوم أن المسلمين متفقون على انه لا يستحب ذلك للقارئ في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبر وانما يفعل ذلك القراء احيانا ليمتحن بذلك حفظ القارئ لانواع القراءات واحاطته بها واستحضاره إياها والتمكن من استحضارها عند طلبها فذلك تمرين وتدريب لا تعبد يستحب لكل تال وقارئ ومع هذا ففي ذلك للناس كلام ليس هذا موضعه بل
المشروع في حق التالي أن يقرأ بأي حرف شاء وإن شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك وكذا الداعي إذا قال ظلمت نفسي ظلما كثيرا مرة ومرة قال كبيرا جاز ذلك وكذلك إذا صلى على النبي مرة بلفظ هذا الحديث ومرة باللفظ الآخر وكذلك إذا تشهد فإن شاء تشهد بتشهد ابن مسعود وان شاء تشهد بتشهد ابن عباس وإن شاء بتشهد عمر وإن شاء بتشهد عائشة
وكذلك في الاستفتاح إن شاء استفتح بحديث علي وان شاء بحديث أبي هريرة وان شاء باستفتاح عمر رضي الله عنهم اجمعين وان شاء فعل هذا مرة وهذا مرة وهذا مرة
وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع أن شاء قال اللهم ربنا لك الحمد وان شاء قال ربنا لك الحمد وان شاء قال ربنا ولك الحمد ولا يستحب له أن يجمع بين ذلك
وقد احتج غير واحد من الأئمة منهم الشافعي على جواز الانواع المأثورة في التشهدات ونحوها بالحديث الذي رواه أصحاب الصحيح والسنن وغيرهم عن النبي انه قال انزل القرآن على سبعة احرف فجوز النبي القراءة بكل حرف من تلك الاحرف واخبر انه شاف كاف ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الاحرف على سبيل البدل لا على سبيل الجمع كما كان الصحابة يفعلون
الرابع أن النبي لم يجمع بين تلك الالفاظ المختلفة في آن واحد بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة كألفاظ الاستفتاح والتشهد واذكار الركوع والسجود وغيرها فاتباعه يقتضي أن لا يجمع بينها بل يقال هذا مرة وهذا مرة واما أن يكون الراوي قد شك في أي الالفاظ قال فإن ترجح عند الداعي بعضها صار اليه وان لم يترجح عنده بعضها كان مخيرا بينها ولم يشرع له الجمع فإن هذا نوع ثالث لم يرو عن النبي فيعود الجمع بين تلك الالفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال لانه قصد متابعة الرسول ففعل ما لم يفعله قطعا
ومثال ما يترجح فيه أحد الالفاظ حديث الاستخارة فإن الراوي شك هل قال النبي اللهم أنت كنت تعلم أن هذا خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري أو قال وعاجل امري وآجله بدل وعاقبة امري والصحيح اللفظ الأول وهو قوله وعاقبة امري لان عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله ديني ومعاشي وعاقبة امري فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارا بخلاف ذكر المعاش والعاقبة فإنه لا تكرار فيه فإن المعاش هو عاجل الأمر والعاقبة آجله
ومن ذلك ما ثبت عن النبي انه قال من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال // رواه مسلم // واختلف فيه فقال بعض الرواة من أول سورة الكهف ..........
جلاء الأفهام/ابن القيم
ـ[غالب الساقي]ــــــــ[06 - 12 - 10, 04:59 م]ـ
كلام ابن القيم رحمه الله
في دعاء واحد ورد في صيغ متعددة
وهذا واضح أنه ينوع فيه
ولكن لا يحسن أن يظن أن هذا الحكم ينتقل إلى الأذكار المتنوعة التي وردت في موضع معين
كالأذكار المسائية والصباحية والتي تكون بعد الصلاة كما سلف بيانه
لذلك ابن القيم نفسه يذكر الأذكار المتعددة في الموضع الواحد ولا يشير إلى التنويع بينها
مما يفهم من صنيعه وصنيع من ألف كتب الأذكار
أنه يشرع الجمع بين هذه الأذكار
وإن لم نقل بذلك سيترتب عليه إشكالات وآراء جديدة غريبة لا تعرف
كالقول بأن المستحب أن يقتصر في أذكار المساء والصباح على ذكر واحد
أو يستحب الاقتصار في أذكار أدبار الصلوات على ذكر واحد أو سورة واحدة وهكذا
¥