وأما قول أخينا المكناسي في الملتقى في مشاركته الأولى، بعد ذكره أن السدل من جملة المندوبات وقد أجاد:" وهذا يدل على عدم اعتماده في المذهب "، فلا معنى له، إلا أن يريد عدم اعتماد القول بالقبض، وحينئذٍ فعبارته غير مستقيمة. وأما قول الآخر في الملتقى: إن القول بالسدل تعصبٌ فهذا غير لازم، وحسن الظن بالناس من حسن العمل. كما أن ادعاء القول بأن مالكاً إنما لجأ إلى السدل بعد أن ضرب بالسياط، كلام عار عن الصحة وقد رده المحققون من المالكية، ولا سيما أن القول بالسدل ثابتٌ عن مالك بقوله في المدونة، كما تقدم نقلُه، وليس فيه ذكرٌ لذلك القيد أصلاً، فيجب أن يكون الكلام في غير الثبوت.
وللعلامة الفقيه المحقق أبي عبد الله المَسناوي رسالة، سماها:" نُصرة القبض في الرد على من أنكر مشروعيته في صلاة الفرض " وقد طبعت في دار ابن حزم حديثاً، تأويلٌ حسنٌ أذكره في غياب النص عني الآن، وهو أن جمعاً من المالكية ومنهم ابن العربي وابن رشد قد ذهبوا إلى أن ما قال فيه مالك "لا أعرفه"، وكان من جملة السنن الثابتة عنه: أن معناه: لا أعرف وجوبَه. وهو تأويلٌ حسنٌ لائق بمثل الإمام مالكٍ. على أن إنكار بعض المشاركين في الملتقى لقول مالك من غير بصر بالفقه وطرائق الترجيح فمعدود من التعدي والمجاوزة للحد، سامحهم الله، وينبغي أن يحمل قول هؤلاء الأئمة ابتداء على أنه مستند بالدليل؛ إذ هو الأصل، فهؤلاء مجتهدون لا مقلدون، كما هو اللائق بأهل الفضل والعلم، ثم إن وُجد له دليلٌ فالنظر حينئذٍ في الترجيح بينه وبين ما يعارضه، وإلا فلا تنكر المسائل هكذا.
على أن فقهاء المالكية المتأخرين، كالدسوقي والصاوي وعليش وغيرهم قد نصوا على أنه لو قبض اتباعاً للسنة لم يكن مكروها، وهذا مما يقرب الهوة والخلاف بينهم وبين غيرهم من المذاهب، وهذا يدل على أن تقليد المقلد للإمام المجتهد كاف في العمل، ولا يعترض عليه في ذلك، وإن لم يعرف المقلد دليل إمامه، ولا سيما في حق الأمي ونحوه ممن لا يدرك عملية استنباط الأحكام.
وما ذكره الأخ محمد كمال من أنه قد يصلي تحية المسجد بعد صلاة العصر فينظر الناس إليه شزراً، ورأى أن ذلك من السنة. قلت: نعم أصل فعلك من السنة عند بعض الأئمة؛ وعند بعضهم ليس من السنة، بل هو منهيٌّ عنه، ولكل منهم دليله ومستنده، وأنت قد جئت قومك بغير ما يألوفون من العبادة، بل بما يؤدي إلى الفتنة، وقد علم أن إثارتها بسبب الحفاظ على فعل السنة غير جائز كما يفعل غير واحدٍ في بلدانٍ كثيرةٍ وهو ما فهمته من هذا الكلام وكلام غير واحد من إخوتنا في الملتقى هنا، فينبغي الحذر من ذلك، فالحفاظ على السنة يكون عندما لا يترتب على فعلك ضرر من إثارة الفتنة ونحوها. وقد قال تعالى:" والفتنة أشد من القتل "، و" الفتنة أكبر من القتل ".
كما أن قول محمد كمال بأن المالكية لا يقبضون الخنصر والبنصر والوسطى في التشهد، غير صحيح، بل المشهور عندهم قبضها مشيرين بالسبابة مع تحريكها يميناً ويساراً تحريكاً وسطاً مع وضع المتن على الركبة. انظر: مختصر خليل وشروحه، وأقرب المسالك وشرح المؤلف عليه، وكذا متن ابن عاشر لميارة الفاسي، وحاشية ابن حمدون عليه. وغير ذلك، فأرجو منه أن يتثبت حين ينسب إلى أحد قولاً ما، وهذا معلوم في المذهب عند صغار الطلبة. " فلو سكت من لا يعلم لقلَّ الخلاف". كما قال العلماء. فينبغي التوثق قبل الكلام أو التعليق.
وفي الختام أقول: إن أزمتنا تكمن في فقه النص، لا في النص ذاته، فينبغي الاهتمام بالفهم ومعرفة وجوه دلالات النصوص، فقد علم عن مالك أنه توقف في العمل بثمانين حديثاً رواها في الموطأ، وذلك لما رأى أن معارضها أقوى منها، من ذلك عدم عمله بحديث خيار المجلس لما رآى من أن معارضه أقوى منه وهو عمل أهل المدينة، فإنه من رواية العدد الكثير عن مثلهم فيكون متواتراً، بينما حديث المجلس آحاد، وغير ذلك من الأحاديث. وهذا مجال للفقيه واسعٌ، تعلم مباحثُه بالنظر في باب التعارض والترجيح من كتب أصول الفقه. والله تعالى أعلم. وقد كتبت هذه المشاركة إحقاقاً للحق، من غير نظرٍ في كتابٍ، وإن كانت في أصلها قابلة للنظر. وجزاكم الله خيراً.
هَذَا كَلَامٌ شَرِيفٌ.
فجزاكَ الله خيراً.
ـ[فلاح حسن البغدادي]ــــــــ[18 - 11 - 10, 02:44 ص]ـ
هل المذهب المالكي هو المذهب الرسمي في الإمارات العربية؟؟؟
ـ[أبو عبد الله الباعمراني]ــــــــ[19 - 11 - 10, 01:44 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مشاركة متواضعة في النقاش الدائر بين الإخوة في المنتدى حول هذه المسألة، فأقول وبالله التوفيق: بوب الإمام سحنون رحمه الله في المدونة (1/ 74) لهذه المسألة بقوله: باب الاعتماد في الصلاة والاتكاء ووضع اليد على اليد ... وقال: وقال مالك: في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة. قال: لا أعرف ذلك في الفريضة وكان يكرهه، ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه، وقال سحنون: عن ابن وهب عن سقيان الثوري عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة.
قلت: كأنه يشير إلى أن فاعله تسننا مستحب، وأما فاعله للاتكاء كما يدل عليه التبويب فمكروه.
لذلك قال الشيخ خليل: وهل كراهته – أي: القبض - في الفرض للاعتماد أو خيفة اعتقاد وجوبه أو إظهار خشوع تأويلات. قال الخرشي في حاشيته على مختصر خليل (1/ 286): فلو فعله لا لذلك بل تسننا لم يكره. وقال في (1/ 287): وأما على غير ذلك فحكمه الجواز مطلقا وليس فيه الخلاف المتقدم.
وقد ذهب الشيخ أحمد ابن الصديق الغماري في رسالة صغيرة له إلى أن رواية الإرسال عن مالك وقع فيها الوهم لأصحابه، وأشار إلى التفصيل السابق غير أن المتأمل لكلام المالكية في تأويلهم لكلام الإمام يبين أن وضع اليمنى على اليسرى عندهم سنة لا خلاف فيها. غير أن المختصرين لكلام الأئمة بعد ذلك اقتصروا على ذكر الإرسال فقط كقول الشيخ عبد الواحد ابن عاشر في سنن الصلاة: «سدل يد تكبيره مع الشروع» ولم يذكر الخلاف المنصوص في الأمهات، فاقتصر الناس على ذلك وصار هو المعمول به.
¥