3 - روى الحاكم في المستدرك من طريق زيد بن الحباب عن عبد الله بن عياش عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من باع جلد أضحيته فلا أضحية له)، ومن نفس الطريق رواه البيهقي (19015) باب: "لا يبيع من أضحيته شيئًا ولا يعطي أجر الجازر منها"، قال الحاكم: صحيح مثل الأول -يعني حديث: (مَن وجد سَعةً لأن يضحي فلم يُضَحّ .. ) - ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بأن: ابن عياش ضعفه أبو داود، وقال في "مختصر السنن الكبرى" (8/ 3881، رقم 14910): "عبد الله بن عياش ضُعِّف، وقد أخرجَ له مسلم".
ابن عياش: ضعفه النسائي -وهو من العارفين برواة مصر؛ لنزوله بها مدة سنين- وأبو داود وجماعة، بل قال الحافظ ابن يونس صاحب "تاريخ المصريين" وهو أخبَر الناس برواتهم: "منكر الحديث"، وأما إخراج مسلم لحديثه، فقال الحافظ في التهذيب: "إنما أخرج له حديثًا واحدًا [عن يزيد بن أبي حبيب المصري] في الشواهد لا في الأصول" راجع التهذيب، وكذلك لم يخرج له عن الأعرج، فالإسناد على هذا لا تقوم به حُجَّة.
- يبقى لنا الاستدلال بالحديث الأول الدال على عدم المعاوضة بشيء من الأضحية، وظاهره يشمل بيعَها والتصدقَ بثمنها، أو إعطاءَها الجازرَ والتصدُّقَ بمقابل أجرته.
وقد اختلف أهل العلم في حكم بيع الجلد والتصدق بثمنه:
قال ابن قدامة في المغني (13/ 136 دار الحديث) عند قول الخرقي: "وله أن ينتفع بجلدها ولا يجوز أن يبيعه ولا شيئًا منها"، "وجملة ذلك أنه لا يجوز بيع شيء من الأضحية لا لحمها ولا جلدها واجبة كانت أو تطوعًا؛ لأنها تعينت بالذبح، قال أحمد: لا يبيعها ولا يبيع شيئًا منها، وقال: سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله -تبارك وتعالى-؟ وقال الميموني: قالوا لأبي عبد الله: فجلد الأضحية يعطاه السلاخ؟ قال: لا، وحكى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا) .. ثم قال: إسناده جيد، وبهذا قال أبو هريرة، وهو مذهب الشافعي، ورخص الحسن والنخعي في الجلد أن يبيعه ويشتري به الغربال والمنخل وآلة البيت، وروي نحو هذا عن الأوزاعي؛ لأنه ينتفع به هو وغيره فجرى مجرى تفريق اللحم، وقال أبو حنيفة: يبيع ما شاء منها ويتصدق بثمنه، وروي عن ابن عمر أنه يبيع الجلد ويتصدق بثمنه، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق".
أما أثر ابن عمر الذي أشار إليه ابن المنذر؛ فقد قال ابن حزم -رحمه الله- في المحلى: وروينا عن شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان قلت لابن عمر: "أبيع جلد بقر ضحيت بها؟ " فرخص لي.
هذا سند صحيح لا علة فيه.
تنبيه: يجوز للمضحي أن يقبل التوكيل من الفقير في أن يبيع له الجلد ويعطيه ثمنه، سواء أحدد له السعر أم لم يحدد، وبالتالي سيبيعه له المضحي بسعر السوق.
والتوكيل جائز بالإجماع وأدلته معروفة، ويحصل بقوله: وكلتك ونحوها، أو بالفعل الدال على ذلك.
هل يجوز أن يبيع المضحي الجلد ويعطي الثمن للفقير دون أن يستأذنه أو يستوكله؟
الجواب: سبق أن التوكيل يحصل بقول الفقير أو فعله، وأما تصرف المضحي أو كيل المضحي "الجمعيات الخيرية" ببيع الجلد والتصدق بثمنه فهو في الأصل ليس توكيلاً من الفقير إلا أن يتفقوا معه.
ولكن هنا مسألة مهمة: لو رأى الغني أو وكيله مصلحة في التعجيل ببيع الجلد ونحوه، والاحتفاظ بثمنه للفقير ألا يكون هذا من الإحسان؟
الجواب: اختلف العلماء في تصرف الفضولي وهذه الصورة منها، فالمضحي اعتبر الجلد ملكًا لفلان من الفقراء ووكل نفسه في القبض عنه "دون إذن الفقير"، وهذا تصرف فضولي.
ثم إنه باعه وقبض ثمنه ليدفعه للفقير "وهذا تصرف ثان من الفضولي".
فهل يصح التصرف؟
أولاً: الفضولي هو: من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي، وذلك لكون تصرفه صادرًا من غير ملك ولا وكالة ولا ولاية.
¥