عن عروة بن الجعد، قال: عرض للنبي -صلى الله عليه وسلم- جلب فأعطاني دينارًا فقال عروة: ائت الجلب فاشتر لنا شاة فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار، فجئت أسوقهما أو أقودهما، فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منهما شاة بالدينار، فجئت بالدينار وبالشاة فقلت: "يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا ديناركم وهذه شاتكم"، قال: (وكيف صنعت؟!)، فحدثته الحديث، فقال: (اللهم بارك له في صفقة يمينه)، فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفًا قبل أن أصل إلى أهلي، وكان يشتري الجواري ويبيع.
قال الأرناؤوط: مرفوعه صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل سعيد بن زيد وأبي لبيد وهو لمازة بن زياد وبقية رجاله ثقات".
ورواه البخاري مختصرًا (3642)، (6/ 731) الفتح، عَنْ عُرْوَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ".
وقد ضعف الحديث الشافعي، ولكن قد أجاب الحافظ في الفتح (6/ 734) عن الاعتراض، فليراجع.
قال ابن المنذر في الأوسط (11/ 330) -حاكيًا عن غيره-: "إنما اشترى للنبي شيئًا رآه صالحًا ونظرًا له، فرضي النبي بذلك، ودعا له بالبركة".
وعن حكيم بن حزام بنحو هذه القصة رواه أبو داود (3379) والترمذي (1257) قال: "وقال: حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام"، وضعفه الألباني.
قال المطيعي في المجموع (14/ 162): "وقد استدل بهذا الحديث على صحة بيع الفضولي، وهو الذي يبيع ما لا يملك أو ما ليس مأذونًا في بيعه، وهو قول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في القديم، وقوَّاه النووي في الروضة، وهو مروي عن جماعة من السلف، منهم: على وابن عباس وابن مسعود وابن عمر، وإليه ذهب الزيدية، وقال الشافعي في الجديد وأصحابه: إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان لحديث: (لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وأجابوا عن حديث عروة بما فيه من المقال، وعلى تقدير الصحة فيمكن أن يكون وكيلاً في البيع أيضًا بقرينة فهمها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال أبو حنيفة: إنه يكون البيع الموقوف صحيحًا دون الشراء، والوجه أن الإخراج عن ملك المالك مفتقر إلى إذنه بخلاف الإدخال"، وللاستزادة في المذاهب راجع الموسوعة الفقهية (32/ 172).
فحديث عروة دال على صحة تصرف الفضولي في حال عدم اعتراض المالك الأصلي للبيع بالنقض، وهو هنا تصرف فضولي ببيع، أو يقال: إنه اشتراه بنفس الأمر الأول، فإنه اشترى شاتين لا واحدة، ثم باع إحدى الشاتين.
ومن أهل العلم من يطعن في الاستدلال به على تصرف الفضولي، ويجعله بابًا آخر وهو أن الإذن العرفي كالإذن الصريح.
قال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين (1/ 266) دار إحياء التراث: "وقد باع عروة بن الجعد البارقي وكيل النبي ملك النبي بغير إذنه لفظًا واشترى له ببعض ثمنه مثل ما وكله في شرائه بذلك الثمن كله ثم جاءه بالثمن وبالمشترى، فقبله النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا له.
وأشكل هذا على بعض الفقهاء وبناه على تصرف الفضولي، فأورد عليه أن الفضولي لا يَقبض ولا يُقبِض، وهذا قبض وأقبض.
وبناه آخرون على أنه كان وكيلاً مطلقًا في كل شيء، وهذا أفسد من الأول؛ فإنه لا يعرف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه وكل أحدًا وكالة مطلقة البتة، ولا نقل ذلك عنه مسلم.
والصواب أنه مبني على هذه القاعدة أن الإذن العرفي كالإذن اللفظي، ومن رضي بالمشتري وخرج ثمنه عن ملكه فهو بأن يرضى به ويحصل له الثمن أشد رضى، ونظير هذا مريض عجز أصحابه في السفر أو الحضر عن استئذانه في إخراج شيء من ماله في علاجه وخيف عليه، فإنهم يخرجون من ماله ما هو مضطر إليه بدون استئذانه بناء على العرف في ذلك، ونظائر ذلك مما مصلحته وحسنه مستقر في فطر الخلق، ولا تأتي شريعة بتحريمه كثير" اهـ.
¥