لا عقوبة إلاّ بناءً على نص، وأنه لا يجوز استخدام القياس فيها، ولا تطبيقها بأثر رجعي، كما أن الغرامة تهدف إلى تحقيق أغراض عقابية، ولا تهدف إلى تعويض الطرف المضرور [3]، ويقول الدكتور سعيد الجنزوري: (والواقع أن إثبات أن الغرامة هي عقوبة جنائية أمر لا يحتاج إلى دليل أو مناقشة…) [4].
وأما الغرامة فقد استعملها البعض بمعنى الضمان الذي يترتب على التزام دين، أو إحضار عين، أو بدن، باعتبار المال حيث أن الضامن الكفيل يتحمل آثار التزامه بناء على الحديث الوارد القائل: (الزعيم ـ أي الكفيل ـ غارم) [5] وقد استعملت الغرامة عندهم أيضاً فيما يترتب على التعدي أو التقصير من تعويضات للشخص المضرور [6].
عدم الخلط بين الغرامة والتعويض:
والتحقيق أي الغرامة كمصطلح معروف الآن بين القانونيين هي ما تفرضه الدولة بسبب وقوع مخالفة قانونية تستوجب فرض عقوبة مالية ـ كما سبق ـ.
وحينئذ يجب أن تميز عن التعويض المالي والمدني الذي يستفيد منه المضرور تعويضاً عمّا أصابه من ضرر، وهذا ما أكده الفقيه القانوني الشهيد عبدالقادر عوده رحمه الله حيث قال: (من المسلم به أن الشريعة عاقبت على بعض الجرائم التعزيرية بعقوبة الغرامة، من ذلك أنها تعاقب على سرقة التمر المعلق بغرامة تساوي ثمن ما سرق مرتين فوق العقوبة التي تلائم السرقة) [7].
وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث الثابتة منها حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أنه صلى الله عليه وسلم في شأن التمر المعلق قال: ( .. فمن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة) [8]، وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بخصوص الزكاة: ( .. من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله غرمة من غرمات ربنا تبارك وتعالى .. ) [9].
قال الشوكاني: (وقد استدل به ـ أي الحديث ـ على أنه يجوز للإمام أن يعاقب بأخذ المال، وإلى ذلك ذهب الشافعي في القديم …، ثم رجع عنه وقال: أنه منسوخ … وزعم الشافعي أن الناسخ حديث ناقة البراء، لأنه صلى الله عليه وسلم حكم عليه بضمان ما أفسدت، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أضعف الغرامة، ولا يخفى أن تركه صلى الله عليه وسلم للمعاقبة بأخذ المال في هذه القضية لا يستلزم الترك مطلقاً، ولا يصلح للتمسك به على عدم الجواز وجعله ناسخاً البينة….
وقد ذهب إلى جواز المعاقبة بالمال الإمام يحيى من الهادوية، وقال في الغيث: (لا أعلم في جواز ذلك خلافاً بين أهل البيت) وقد ذكر الشوكاني مجموعة كبيرة من الأحاديث الدالة على ذلك مع المناقشة [10].
وبسبب ذلك اختلف الفقهاء فذهب جمهورهم إلى منع الغرامة المالية، وذهب بعضهم إلى جواز ذلك [11].
يقول الأستاذ عودة: (ولكن الفقهاء اختلفوا في جعل الغرامة عقوبة عامة يمكن الحكم بها في كل جريمة … والذين يعترضون على الغرامة المالية يحتجون بأنها كانت مقررة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ونسخت ….؛ وأنه يخشى أن يكون في إباحة الغرامة المالية ما يغري الحكام الظلمة بمصادرة أموال الناس بالباطل … .. ) [12].
ثم قال: (وفي عصرنا الحاضر حيث نظمت شؤون الدولة، وروقبت أموالها، وحيث تقرر الهيئة التشريعية الحد الأدنى والحد الأعلى للغرامة، وحيث ترك توقيع العقوبات للمحاكم …لم يعد هناك محل للخوف من مصادرة أموال الناس بالباطل، وبذلك يسقط أحد الاعتراضات التي اعترض بها على الغرامة) [13].
ومن المعلوم أن مَنْ قال بالغرامة المالية يعتبرها عقوبة جنائية (تعزيرية) تأخذها الدولة، ويؤول إلى خزائنها وبيت مالها، وليست للتعويض عما أصاب المضرور.
خطأ استعمال لفظ الغرامة في موضوعنا هذا:
وبما ذكرناه أن إطلاق لفظ الغرامة على ما يريد البنك الإسلامي أخذه لصالحه غير دقيق ن بل غير صحيح، فالغرامة عقوبة جنائية تصرف للدولة فقط، في حين أن ما يريد البنك الإسلامي أخذه هو بمثابة تعويض عما فاته من أرباح متوقعة أو مظنون بها.
ولذلك لا ينبغي استعمال هذه الكلمة في هذا المجال وإنما الذي ينبغي بحثه في هذا المجال هو التعويض المالي عما أصاب البنك من ضرر (إن صح هذا)، وموضوع الشرط الجزائي ومدى مشروعيته في هذا المجال. وهذان الموضوعان اللذان نبحثهما الآن ومدى علاقتهما بالموضوع.
ثانياً: الشرط الجزائي:
¥