تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عصام الصاري]ــــــــ[02 - 12 - 10, 12:26 ص]ـ

ليس المرادُ مراعاةَ كلِّ ما يَظهرُ وإن كان على خلافِ الشرعِ، بل المرادُ كلُّ ما كان الخلافُ فيه معتبَراً أما الشاذُّ فلا يُعتبَرُ ولا يراعَى، حتى لا نكونَ أنصاراً للشذوذ ولا أدعياءً للبِدعة، وقانا اللهُ وإياكم منها، وقد ذكرْتُ أخي أبا عبد البر علةَ هذا، وهو: عدمُ التشويش على الناس وإثارةِ الفتنة بينهم، وهو أصلٌ عامٌّ، فيُقدَّم على المسائل الجزئيةِ والفرعيةِ؛ إذ لا يصح أن يُنقضَ أصلٌ عامٌّ لأجْل فرعٍ فقهيٍّ، وانظر كلامَ الشاطبي في الموافقات عند ذكره لقاعدة قضايا الأعيان لا تؤثر في القضايا الكليةِ.

وإنما قلتُ هذا لِما في عمل هؤلاء العلماء بمذهب ذلك البلدِ من تأليف القلوب، وجمعِ الكلمةِ وعدم الاِختلافِ، وهذا مما أهمله كثيرٌ من الناس اليومَ ولو أدى إلى التباغض والشحناءِ بدعوى الحرص على السُنة، نشأ من قلة الفقه، مما أدى إلى عدم سماع الناس لدعوتهم ونصيحتهم. نسألُ اللهَ العفوَ والعافيةَ، وليس هذا هو الفقهَ في الدِين. اللهم فقِّهْنا في دِينك، وعلِّمْنا تأويلَ كتابِك. آمينَ ...

ومن الأمثلة على مراعاة العلماء للخلاف أن الشافعيَّ -رحمه الله- قد صلى الصبحَ قريباً من مقبرة الإمام أبي حنيفةَ -رحمه الله- فلم يَقنُتْ تأدباً معه، وقال الشافعيُّ أيضاً:" ربما انحدرْنا -أي: انتقلْنا- إلى مذهب أهل العراق ". انظر الإنصاف في بيان أسباب الاِختلاف، للدهلوي. ودراساتٌ في الاِختلافات الفقهية، للبيانوني. والله تعالى أعلمُ.

ـ[حمزة ابن أبي حمزة]ــــــــ[02 - 12 - 10, 01:00 ص]ـ

عصام لعلك إنصرفت إلى الرد على أخونا أبو عبدالبر حفظه الله و لم تتابع ردي ..

انتظر منك الغيث جزاك الله خيراً.

ـ[عصام الصاري]ــــــــ[02 - 12 - 10, 01:57 ص]ـ

الحمدُ لله، نعَمْ، التمذهبُ مهمٌّ لهذه الدرجةِ وأكثرَ، وسلَّم اللهُ ذهني وذهنَك من التشتتِ، أخي حمزةَ، فإن عدمَ التمذهب معناه عدمُ الاِنضباط، وعدمُ الوضوحِ، وعدم الوقوع في التناقض والخلط، فالأمةُ كلها استقرتْ على الأخذ بالمذاهب المعروفةِ منذ نشأتها ووجودِها، فالراجحُ أنه لابد لطالب العلم اليومَ أن يسلكَ مذهباً معيناً، يبدأ به في التعلم، وإلا فكيف يكون التعلمُ، فأربابُ المذاهب أَولى في الفهم عن الله تعالى ورسولِه مني ومنكَ ومن جميع أهل التقليد ممن لم يبلغْ درجةَ الاِجتهاد، وأزعمُ أن القولَ بعدم التمذهب مما يفرِّقُ الأمةَ ويمزِّقُها.

ولذلك كان الأصح عند المالكية (الفواكه الدواني 2/ 357) والشافعية (شرح جمع الجوامع للمحَلِّي 2/ 440)، وهو الأشهرُ في مذهب الحنابلة (الإنصاف للمرداوي 11/ 194)، وهو قولٌ عند أبي حنيفةَ (البحر الرائق، لابن نجيمٍ 6/ 289)، أن لزومَ غير المجتهد لمذهبٍ من المذاهب الأربعةِ لازمٌ وواجبٌ، وهناك قولٌ عند الحنفية والمالكية والشافعيةِ صحَّحه بعضُهم، وهو الأصحُّ عند الحنابلة أن التمذهبَ بمذهبٍ ليس بلازمٍ، وأن له أن ينتقلَ بين المذاهب، إلا أن لذلك شروطاً يَصعبُ معها على المقلِّدِ مراعاتُها في كل مسألةٍ. انظرْها في كتب الأصول في مبحث التقليد والتلفيق.

- بيانٌ لما عليه العلماء من عدم الخروج على ما عليه الناسُ في البلد:

قولُ عمرَ بنِ عبد العزيز كما في سنن الدارمي (1/ 151) باب اختلاف الفقهاء، ما نصُّه: {لو جمعْتَ الناسَ على شيءٍ، فقال: ما يَسُرُّني أنهم لم يختلفوا. قال: ثم كتَب إلى الآفاق -أو إلى الأمصار-: لِيَقْضِ كلُّ قومٍ بما اجتمَع عليه فقهاؤُهم}. انتهى.

كما {كتَب زُرَيقُ بنُ حَكيمٍ لعُمرَ بنِ عبد العزيز عندما ولي الشام: إنك كنتَ تقضي بالمدينة بشهادة الشاهد الواحد ويمين صاحب الحق، فكَتَب إليه عُمرُ بنُ عبد العزيز: إنا كنا نقضي بذلك بالمدينة، فوجَدْنا أهلَ الشام على غير ذلك، فلا نقضي إلا بشهادة رجُلينِ عدلين، أو رجُلٍ وامرأتين} إعلام الموقِّعِين، لابن القيم (3/ 97).

فقد كان عُمر حريصاً على ألاّ يغيرَ من واقع الأُمة شيئاً مألوفاً عندهم ما دام على وجهٍ شرعيٍّ.

وكذا قولُ الإمام مالكٍ -رحمه الله تعالى- كما عند ابن أبي حاتمٍ في تقدمة الجرح والتعديل (ص29): { ... فإن ذهبْتَ تحوِّلُهم مما يَعرفون إلى ما لا يَعرفون رأوا ذلك كُفراً، ولكنْ أَقِرَّ أهلَ كل بلدةٍ على ما فيها من العِلم، خذ هذا العلمَ لنفسك. فقال لي: ما أَبعَدْتَ القولَ ". وقال في روايةٍ:" ودَعِ الناسَ وما هم عليه، وما اختار كلُّ أهلِ بلدٍ لأنفُسهم}. انتهى.

وقال ابنُ عبد البر -رحمه الله- في التمهيد (1/ 10): {إنما اعتمدتُ على روايةِ يحيى بنِ يحيى -أي: في شرح الموطأ- خاصةً لموضعه عند أهل بلدنا من الثقة والدِين والفضل والعلمِ والفهمِ، ولِكثرةِ استعمالهم لروايته، وراثةً عن شيوخهم وعلمائهم، فكل قومٍ ينبغي لهم امتثالُ طريقِ سلفهم فيما سبق لهم من الخير، وسلوكُ منهاجهم فيما احتملوه عليه من البِرِّ، وإن كان غيرُه مباحاً مرغوباً فيه}.

وكذا قولُ أحمدَ بنِ عُمر من شيوخ ابن عبد البر، حيث نقَل عنه في الاستذكار (4/ 152) قولَه: {لا أُخالفُ روايةَ ابن القاسم؛ لأن الجماعةَ عندنا اليومَ عليها، ومخالفةُ الجماعةِ فيما قد أُبيحَ لنا ليس من شِيَم الأئمة}. فانظرْ إلى هذه النصوص الروائع، والفهوم النواصع.

قال الإمامُ ابنُ تيميةَ -رحمه الله تعالى-: {يُستحبُّ للرجُل أن يَقصدَ إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحَبات؛ لأن مصلحةَ التأليف في الدِين أعظمُ من مصلحة فعلِ هذا، كما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- تغييرَ بناء البيت؛ لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أَنكَرَ ابنُ مسعودٍ على عثمانَ إتمامَ الصلاة في السفر، ثم صلى خلْفَه مُتِماًّ، وقال الخلافُ شرٌّ}.

فسلامُ الله على أئمتنا المهتدِينَ، وسلامٌ على حُسن فهمهم واِستنباطِهم من نصوص الدِين. ولن تَصلح هذه الأمةُ إلا بما صلح به أولُها. نوَّر اللهُ طريقَنا، وهدانا سبُلَ الخير. وسلامُ الله عليكم ورحمتُه وبركاتُه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير