تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحياناً لا يكون عنده وضوح في المسألة، وربما أنه قد يميل إلى قول الجمهور، لكن يقول: من طريقتي أنني إذا سئلت عن زكاة الحلي فأقول: زكي، فإن كان عليكِ زكاة فقد أديتِ الزكاة، وإن لم يكن عليكِ زكاة فهي صدقة في هذا اليوم المبارك أو في هذا الشهر المبارك. فالترجيح بمثل هذه الطريقة فيه تضييق على الناس، وإذا كان الإنسان هنا لم يستتم له فقه فهو مخير بين أحد أمرين: إما أن يحكي الخلاف باختصار، فيقول: قال بعض العلماء: إن فيه زكاة، وقال بعض العلماء: إنه ليس فيه زكاة، وإما أن يتوقف عن الجواب. وقد يقول قائل: ألم يكن بعض الفقهاء يذكرون الأحوط؟ فيقال: كثير من العوام لا يعرف الفرق بين قولك: الصحيح، وبين قولك: الأحوط، بل هو يفهم في الأخير أنك أمرته بالزكاة، ولذلك لو قيل لهذا العامي أو لهذه المرأة: هل تزكين؟ لقالت: نعم، ولو قيل لها: هل ذلك لازم بإجماع العلماء؟ لقالت: لا أدري عن هذا الموضوع، المهم أنهم يقولون: إن فيه زكاة، وهذا الحكم هو الذي يريده العامي أن تقوله له.

ومن مناطات الترجيح: الترجيح بالأكثر، من الأئمة الأربعة أو السلف، فهذه جهة حسنة ولكنها لا تستقل وحدها بالترجيح، بمعنى أن استصحابها في الترجيح استصحاب حسن، ولكنها لا تستقل وحدها بالترجيح.

ومن مناطات الترجيح: الترجيح بما عليه العمل، وهذا من الفقه الذي يذكره بعض المتقدمين، كالترمذي، فمثلا: المسح على الجوربين، مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي أنه لا يمسح على الجوارب، وذهب أحمد للمسح عليها، وهذه المسألة تعتبر من فرائد مذهب الإمام أحمد، فالإمام أحمد لما رأى جواز المسح على الجوارب وسئل عن ذلك قال: قد جاء ذلك عن تسعةٍ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو قد عامل المسح على الجوارب بأنه عمل بعض الصحابة، فلما ورد عن تسعة من الصحابة أوصله الإمام أحمد إلى رتبة الأخذ به والاعتبار، فقواه بجهة العمل، ومن الأمثلة على ذلك أيضا: مسألة زكاة الحلي، ومن الأمثلة على ذلك أيضا: لما سئل الإمام أحمد عن الحائض - وقد سبق المثال -: أتصلي الظهر إن طهرت وقت العصر؟ فقال عامة التابعين على هذا القول. ومما ينبه إليه: أن هذه المناطات تتداخل فيما بينها، فهناك تداخل بين هذا المناط - وهو الترجيح بما عليه العمل - وبين المناط السابق، وهو الترجيح بالأكثر.

ومن مناطات الترجيح: الترجيح بالأظهر في السنة: فيرجح قول من الأقوال لأنه هو الأظهر في نصوص السنة وإن خالف الجماهير، فمثلاً: الإمام أحمد - رحمه الله - ظهر له في حكم صلاة الجماعة أن ظاهر نصوص النبي - صلى الله عليه وسلم - وظاهر السنة العزم في صلاة الجماعة، فجعل صلاة الجماعة فرض عين، وهذا أمر تختلف فيه مدارك الناظرين، فتكون عنايته بالترجيح بالسنة وإن خالف الأكثر عنده أو خالف الأحوط أو غير ذلك، وهذه جهة فاضلة لمن كان أهلاً لها، وإلا فهي من الأصول المعتبرة كما هو معلوم.

ومن مناطات الترجيح: الترجيح باستصحاب أصل أو قاعدة: وإنما يصار إلى الترجيح باستصحاب قاعدة حينما لا يكون في المسألة دليلٌ اللفظي بين، فحينئذ يرجح باستصحاب قاعدة، وهنا النفس والبيئة وبعض المعطيات قد تؤثر في اختيار القواعد؛ لأن بعض القواعد أحياناً تكون مؤثرة في إغلاق المسألة كقاعدة: (سد الذرائع)، وبعض القواعد تؤثر في التوسعة في المسألة كقاعدة (المشقة تجلب التيسير)، أو قاعدة (الأصل الجواز)، ولكن الاستدلال بالقواعد يحتاج إلى فقه، وإلى ضبط وتوسط، ومعرفة متى تطبق هذه القاعدة أو تلك، فقاعدة سد الذرائع تطبق في مسائل لها قدرها، كالمسائل المتعلقة بتوحيد العبادة، مثل شد الرحال لزيارة قبور الأولياء، أو زيارة قبور الأعيان؛ ومما يدل على عدم حسن الفقه في تطبيق هذه الأصول والقواعد: اطراد بعض الفقهاء أو طلاب العلم على تطبيق قاعدة واحدة وترك القواعد الأخرى، فبعض الناس دائماً عنده سد الذرائع، أما قاعدة الأصل الإباحة، أو المشقة تجلب التيسير .. ونحوها، فلا يلتفت إليها، وبالمقابل من تميل نفسه إلى التيسير - مع أن كلمة (التيسير) في أصلها كلمة شرعية، لكن قد تستعمل كاصطلاح بما هو مخالف أحياناً لحقيقتها الشرعية - فتجد أنه ربما قلَّل من شأن تلك القواعد أحياناً بحرف أو بآخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير