ومعلوم أن من هو دون الرسول لو حرم شيئا لما فيه من الفساد وأذن أن يفعل بطريق لا فائدة فيه كان عيبا وسفها فكيف يظن هذا بالرسول وقد عذب الله أهل الجنة الذين احتالوا على أن لا يتصدقوا فأصبحت كالصريم
وعذب القرية التي كانت حاضرة البحر لما استحلوا المحرم بالحيلة فمسخهم الله قردة وخنازير
وقد ثبت عنه أنه قال لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى حيلة أو أدنى الحيل
وكذلك ربا النسيء فإن أهل ثقيف الذين نزل فيهم القرآن كان الرجل يأتي إلى الغريم عند محل الأجل فيقول أتقضي أم تربي فإن لم يقضه وإلا زاده المدين في المدة لأجل التأخير
وهذا هو الربا الذي لا يشك فيه باتفاق سلف الأمة
ومثل أن يتواطأ على أن يبيعه ثم يبتاعه فهذه بيعتان في بيعة وفي السنن عن النبي أنه قال من باع بيعتان في بيعة فله أو كسهما أو الربا
ومثل أن يضما إلى الربا نوع قرض فقد ثبت عن النبي أنه قال لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك وسيأتي
ثم إن النبي نهى عن المزابنة والمحاقلة وهو اشتراء التمر والحب بخرصه
كما نهى عن بيع الصبرة من الطعام المسمى لأن الجهل بالتساوي كالعلم
بالتفاضل والخرص لا يعرف منه مقدار المكيال إنما هو حزر وحدس
هذا متفق عليه بين الأئمة
ثم إنه قد ثبت عنه أنه أرخص في العرايا يبتاعها أهلها بخرصها تمرا فجوز ابتياع الربوي هنا بخرصه وأقام الخرص عند الحاجة مقام الكيل
وهذان من تمام محاسن الشريعة كما أنه في العلم بالزكاة وفي المقاسمة أقام الخرص مقام الكيل فكان يخرص الثمار على أهلها لتحصى الزكاة
وكان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يقاسم أهل خيبر خرصا بأمر رسول الله
ومعلوم أنه إذا أمكن التقدير بالكيل فعل فإذا لم يمكن كان الخرص قائما مقامه للحاجة كسائر الأبدال في العلوم والأعمال فإن القياس يقوم مقام النص عند عدمه والتقويم يقوم مقام المثل وعدم الثمن عند تعذر المثل والثمن المسمى
ومن هذا الباب القافة التي هي استدلال بالشبه على النسب إذا تعذر والاستدلال بالقرائن إذ الولد يشبه والده والخرص والقافة والتقويم أبدال في العلم كالقياس مع عدم النص
وكذلك البدل في العلم فإن الشريعة مبناها على العدل كما قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) والعدل فيها واجب بحسب الإمكان كما قال تعالى (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط)
والله تعالى قد شرع القصاص في النفوس والأموال والأعراض وسيأتي الكلام على هذه المسائل والله المستعان
وقال (2/ 568)
والجواب
أما الحديث الأول ففيه يحيى بن أيوب قال أبو حاتم الرازي لا يحتج به
قال وشعيب بن يحيى ليس بمعروف
وفي الحديث الثاني أبو هارون العبدي قال أحمد ليس بشيء
وقال شعبة لأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أحدث عنه
زوقال البيهقي في حديث ابن جريج عن ابن شهاب الطريق إليه غير قوي والصحيح عن ابن عمر من قوله مرفوعا وهو موقوف غير مرفوع
ثم روى بإسناده عن الثوري عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في فأرة وقعت في زيت قال استصبحوا به وادهنوا به أدمكم
وقد سئل الدارقطني عن حديث ابن عمر في هذا الباب
فقال رواه عبد الجبار بن عمر الأيلي عن الزهري عن سالم عن أبيه وتابعه يحيى ابن أيوب عن ابن جريج
وخالفهم أصحاب الزهري فرووه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وهو الصحيح
وقال الدارقطني في حديث أبي سعيد ورواه الثوري عن أبي هارون موقوفا على أبي سعيد
قال البيهقي وهو المحفوظ
وقد بين شيخنا ابن تيمية وكشف الغطاء في هذه المسألة وإن كانت قد خفيت على كثير من السلف والخلف فرحمه الله ورضي عنه فكم من سنة بينها وأظهرها وكم من بدعة وضلالة راجت على كثير ممن اتبع هواه بغير هدى من الله بينها وحذرنا منها بعد المعرفة فأقام الحجة ووضح المحجة وسبك الإخلاص وأخرجه من الشرك الخفي من القول في النفي الصرف والسلب المحض والقول بالجحود المطلق
فجزاه الله عنا أكرم جزاء
قال وقد سئل عن زيت كثير وقعت فيه فأرة فهل ينجس أم لا وهل يجوز بيعه واستعماله أم لا
الجواب الحمد لله لا ينجس بذلك بل يجوز بيعه واستعماله إذا وقعت فيه النجاسة كالفأرة وغيرها
واصل هذه المسألة أن المائعات إذا وقعت فيها نجاسة فهل ينجس
¥