[حكم استفتاء المتساهل وتصدره للفتيا]
ـ[أحمد نجيب]ــــــــ[30 - 09 - 03, 08:26 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم استفتاء المتساهل و تصدره للفُتيا
السؤال:
أنا أحد أفراد الجاليةِ المسلمة المقيمة في إيرلندا منذ بِضعِ سنوات، و بحكم إقامتنا في الغَرب تَعرِض لنا بعض الإشكالات الشرعيّة، و نحتاج إلى معرِفة حُكم الشرع فيها، و لكن ليس لدينا من نستفتيه من أهل العلم سوى إمامَي المسجدين الموجودَين في دَبلن، و لا ثالث لهما، عِلماً بأنّ أحدَهما مهندس زراعي في الأصل، و ليس من العلماء بالشريعة و لا أهل الاختصاص، و هو يُقرّ بذلك، و لكنّه من حملة القرآن الكريم، و له مطالعات في العلوم الشرعيّة، و الآخر أزهري معروف بتبنّيه منهج التيسير في الفتوى على نحو لم نعُد نطمئن معه إلى أنّ ما يُفتينا به هو الحكم الشرعي الفصل فيما يُعرَض عليه.
فما هي نصيحتكم لنا في هذه الحال، هل نأخُذ ديننا عن هؤلاء، أم نرجع إلى الكتب القديمة رُغمَ ندرتها و عدم قُدرتنا على الاستنباط منها مباشرةً، أم نلجأ إلى مفتين في بلاد أخرى إذا احتجنا لفتوى في أمور معيشتنا اليوميّة؟
الجواب:
أقول مستعيناً بالله تعالى:
من حيث المبدأ لا أحبّذ وجود مرجعيّة وحيدة للفتوى في أيّ زمان أو مكان، لأنّ حصر الإفتاء في فردٍ أو فئة معيّنة (سواءً كانت مجلساً أو مجمعاً أو لجنةً أو غير ذلك) ذريعةٌ إلى إغلاق باب الاجتهاد الفسيح في الفقه الإسلامي، و قد تعيدنا إلى عصر الجمود الذي قيّد الأمّة لقرون عديدة من الزَمَن.
و لا يعني هذا أننا نؤيّد فتح باب الاجتهاد على مصراعيه أمام من هبّ و دبّ، من حاز ملكته و استوفى شروطه، و من لم يتأهّل له من حُدثاء الأسنان، و صغار طلبة العلم، و قليلي الخبرة، ممّن حالُهم يُبكي المتأخّرين كما أبكى المتقدّمين.
روى ابن عبد البرّ عن الإمام مالك أنّه دَخل على شيخه ربيعة الرأي فوجده يبكي فقال له: ما يبكيك، أمصيبة نزلت بك؟ قال: لا، و لكن استُفتي من لا علم له، و وقع في الإسلام أمر عظيم، و لَبعض من يُفتي هاهنا أحق بالسجن من السُرَّاق) [أدب المفتي و المستفتي، للنووي، ص: 85].
و الناس في باب الاجتهاد طرَفان و وسط، و خير الأمور أواسطها، و من التوسّط أن يتبوّأ كلٌّ مكانه، فللاجتهاد أهله من العلماء الراسخين، و للتقليد أهلوه الذين لا يَسعُهم غيرُه، و لا يَصدُرون إلاّ عنه.
و ما ذَكره السائل من أنّ أحد الإمامَين في بلد إقامته غير مختصٍّ في العلوم الشرعيّة ليس حجّة في الانصراف عن سؤاله عمّا يعلمه بدليله، و لا يُبرّر ردّ كلّ ما عنده، لأنّ العلم ليس بالشهادات و لا الدَرَجات الأكاديميّة المعروفة في هذا العصر، و إنّما هو بالطَلب و الحِرص و التحصيل، فمن أخذه فقد أخَذ بحظّ وافر.
بل يتعيّن على المُستَفتَى أن يُفتي باجتهاده فيما عَرَف فيه الحقّ بدليله، و لو كان ذلك في مسائل أو حالات معدودة.
قال شمس الدين ابن القيّم رحمه الله: (الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره أوفي باب من أبوابه كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم أوفي باب الجهاد أو الحج أو غير ذلك فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه و لا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له للإفتاء بما لا يعلم في غيره.
... فإن قيل: ما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي بهما؟ قيل نعم يجوز في أصح القولين وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، و هل هذا إلا من التبليغ عن الله و عن رسوله؟ و جزى الله من أعان الإسلام و لو بشطر كلمة خيراً، و منعُ هذا من الإفتاء بما عَلِمَ خطأ محض) [إعلام الموقعين: 4/ 216 و 217].
¥