قوله (إن علم الجرح والتعديل ليس أساسا في التصحيح والتعليل، كما هو الشائع لدى الكثيرين)
معرفة الرواة جرحا وتعديلا لا شك أنه أساس معرفة درجة الحديث من حيث القبول والرد، لكن ليس وحده وإنما مع النظر في ما ذُكر من التفرد والموافقة والمخالفة، والبداءة بالتخريج لمعرفة الموافقة والمخالفة والتفرد والزيادة والنقصان ومدار الإسناد وغير ذلك، ثم النظر في ترجمة من يلزم النظر في ترجمتهم، هذا ترتيب منهجي مفيد، لكن هذا شيء، والقول بأن (علم الجرح والتعديل ليس أساسا في التصحيح والتعليل) بإطلاق شيء آخر، كيف سيُقبل التفرد ممن تفرد إلا بميزان دقيق يزن حال الرجل وحال روايته، أما التقديم والتأخير في طريقة وأسلوب البحث كالبداءة بالتراجم أو بالتخريج أو بالنظر في المتن ... إلخ فهو ترتيب يتبع طريقة الباحث طالما لا يمس العلم والثمرة الحقيقية ومقاصد السلف، والنقاد من سلفنا الصالح لما كانوا ينظرون في طرق الحديث كانوا مستحضرين لحال الرجل لا غافلين عنه حتى ينتهوا من تخريج الحديث، لذلك عند وقوفهم على مداره أو أو أو ... لا يبدؤون البحث في حال الرجل بسؤال غيرهم أو بالاطلاع في كتبهم _ لمن لم يحفظ حاله _ إلا إذا كانوا لا يعرفونه.
والمسلك المنتقد من بعض الباحثين لا يجعلنا نطلق قاعدة كهذه ردة لفعلهم، ففقه المعاكسات ليس تأصيلا علميا.
قوله: (وإنما جاء هذا العلم بعد التصحيح والتعليل كنتيجة)
إن كان المقصود التصحيح والتعليل أي الحكم بذلك، فلا يحكم على الحديث إلا بعد هذا العلم، وكيف يحكم على حديث بدون معرفة حال رجاله؟، نعم أحيانا لا تحتاج إلى معرفة حال الأسانيد التي تلتقي في موضع _ مثلا _ لكثرتها، لكن هذا الكلام يشمل كل أنواع الأحاديث والأسانيد لأنه مطلق، حتى الإسناد الغريب، إلا إذا كان الغريب ضعيف أصلا عند صاحب الإطلاق _ لا أعرف الجواب لأني غير مطلع على كتاباته _.
وإن كان يقصد بالتصحيح والتعليل وسيلته أي التخريج فقد سبق الكلام على ذلك.
ثم هنا سؤال مهم:
قوله (كنتيجة)
نتيجة عند من؟ عند من صحح وضعف وعلل من النقاد؟ أم عند المتأخرين الذي نظروا في التصحيح والتضعيف والتعليل الذي سُبقوا به من النقاد فيستفيدوا منه أحكاما على الرجال؟ إن كان الأول فقد سبق الكلام فيه، وإن كان الثاني فلا علاقة له بالموضوع، لأن الجهة منفكة.
قوله (ينبغي أن لا نتوجه مباشرة ..... ترجمة كل من ورد في السند من الرواة، وهذا عمل غير منهجي ... )
المباشرة وعدم المباشرة هذه بالنسبة إلى القائل لا بالنسبة إلى النقاد الحفاظ، فهم كانوا يستحضرون حال الرواة قبل البحث عن طرق الحديث وجمعها كما سبق، والظاهر أن الشيخ يتكلم عن غير النقاد.
وترجمة كل من ورد في السند من الرواة لا إشكال فيه أصلا، بل هو مطلوب للحاجة القائمة إلى ذلك، فإذا ذهبت الحاجة ذهب الطلب، ولكن الإشكال الذي دخل هو في كتابة ذلك في التخاريج، وإلا عندما نسكت عن ذكر تراجم الرواة في الإسناد فذلك لعدم الحاجة إليه لا لأننا لا نعرفهم ولم نبحث عنهم أصلا!
فإن كان المقصود بالكلام هو في تسويد صفحات لا حاجة إليها، فنعم، ولكن هذا لا يسوغ إطلاق عبارة وتقعيد ومنهج وتأصيل يُدخل أفرادا لا علاقة لها بالموضوع، فأخطاء الناس لا تحسب على المنهج الصحيح، ثم إن هذا يشمل تسويدها بالتخريج الذي لا فائدة منه بالعزو إلى الكتب التي تشترك في الإسناد دون فائدة زائدة في الموضوع _ انتبه إلى القيد _.
وكون التخريج قد يبيّن أحيانا أن لا حاجة في ترجمة بعض الرواة شيء، والإطلاق السابق شيء آخر،
وأكرر كل ما سيقال من التفصيل شيء، وإطلاق أن (علم الجرح والتعديل ليس أساسا في التصحيح والتعليل) شيء آخر، معذرة هذا تهويل.
قوله: (على الباحث أن يقوم قبل الترجمة .... ، ثم يقوم بترجمة الراوي الذي قد خالف ... )
كما قلت سابقا هذا بالنسبة له، وإلا الحفاظ والنقاد لا يستقيم معهم هذا الترتيب الذهني، وعل كل حال هذا ترتيب تطبيقي لا يسوغ هذا التقعيد.
قوله (وأما ترجمة كل من ورد في الإسناد بداية دون أن يتأمل في حال الرواية .. كما تعود عليه كثير من المعاصرين، ثم اهتمامه .... )
هل هؤلاء من العلماء؟ وهل فعلهم هذا لا يبين خطؤه إلا بهذا التعقيد، وإسقاط علم الجرح والتعديل من مكانته، وهذا يذكرني ببعض الكلمات هنا وهناك في نقد فعل بعض المخرجين بالاكتفاء بكلام الحافظ في التقريب للحكم على الحديث وذلك بهدم جهد الحافظ ابن حجر في التقريب! أما يكون هناك علاج وحل إلا هذا، هل الاعتدال والموازنة هو فقه المعاكسات.
هؤلاء يبين خطؤهم من كل جهاته من جهة التطويل ومن جهة عدم الفائدة ومن جهة ..... ، دون إسقاط علم الجرح والتعديل.
وعذرا لتكثير الكلام، لأني ظننته مفيد.
ومن عنده تذكير فليذكرنا جزاه الله خيرا.
¥