وقد قال الحاكم تعليقا على كلام ابن المبارك في معرفة علوم الحديث (ص6): (فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام ولتمكن أهل الإلحاد والبدع بوضع الأحاديث وقلب الأسانيد).
فهل في هذا أنه ليس أساسا، وأن الأحكام على كل الأحاديث ممكنة دون معرفة رجال السند، وأن هذا طريقة السلف، لا يعترض أحد بأنه يشترط وجود السند ولكن الكلام عن حال رواته، لأن الجواب فما فائدة وجوده الأصلية.
ثم لماذا لا نتفقه في ردهم المرسل والمنقطع حتى يعلم السقط؟ ما فائدة ذكر الراوي؟ حتى تُعلَّق عليه شماعة الخطأ الذي سيعلم دائما سلفا دون معرفة حال الراوي؟ أم أن لمعرفته مدخل أساس في القبول والرد والحكم بالخطأ؟
وأخيرا لا أريد الخوض في الظاهر ووجود القرائن والأصل منهما وما هو المستثنى، لأن ما ذكرتُه قبل كاف، ولأنه سيكون لفظيا لو كان المؤدى واحد، وقد قال مسلم (فالرواية ثابته والحجة بها لازمة إلا أن يكون هناك دلالة بينة .. ).
والقصة التي فرحتُ بها ولا أزال لم تذكر أخي (الدرع) لم حكم ابن المبارك بالانقطاع قبل أن يخرج وينظر طرق الحديث واكتفى بظاهر الانقطاع في السند الذي أمامه، خاصة وأنت تقول أنه لا يعرف الحديث، فلا يعرف له طرقا، لماذا لم يتوقف حتى يعلم إن كان له طرقا أم لا؟
أما الكلام في العصريين كثيرهم وقليلهم، فلا خلاف في الفرق بين السلف والخلف، وفضل علم السلف على الخلف، وهذا في المصطلح وفي الفقه وفي كل علوم الشرع، واتفاقهم في كل شيء حجة، وما لم يعلم فيه اتفاقهم فقول أحدهم أقرب إلى الحق من المتأخر، لكن الحجة في الاتفاق فقها أو حديثا بشروطه وقرائنه أو في دليل أحدهم المعدوم لدى المتأخر، كقرينة الحال والمقام وما جرت العادة نقله دون إسناد، وليس كل المسائل هكذا، بل بعضها يتكلم فيها المتقدم بوسائل المتأخر، وكم من الأوهام والأخطاء يقع فيها الأئمة ولا أقول المتقدمين بسبب أخذهم ظاهر الإسناد من حكم بصحبة أو سماع أو جعل الراوي اثنين .. إلخ ومن تتبع استدراكات المتأخرين المدعومة أحيانا بموافقة بعض المتقدمين يجد العجب، ولا يقال قد وافقه متقدم، لأن الشاهد إنما هو في اعتمادهم ظاهر الإسناد في مواطن كثيرة، ليست الحالة الضيقة التي توصف بِ (الضرورة).
والشيخ مقبل الذي تذكره رحمه الله وتغمده بواسع رحمته كان يجل أئمة العصريين في الحديث أوالفتيا _ وهو أحدهم _، كالشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ العباد وغيرهم من العلماء، وكلامه في الثناء على علمهم وصلاح طريقتهم في العلم والفتيا وتحقيق المسائل في فنّهم يكاد يكون أكثر وأوضح من كلامه المجمل في العصريين كتابة وشفاها، مما لا يدع مجالا للخلط عند الطلبة، إلا من كان في قلبه .... .! أما أن يجعلهم مخالفين للسلف في المصطلح والحديث بالجملة، وليسوا محققين في مسائل الفقه، وليسوا بدقيقي النظر في كذا وكذا، ثم في النهاية هم أهل الفتيا كما يفعله كثير من الشباب، فالمصطلح تحقيقه عند غيرهم، وفقه كلام السلف في مسائل الجهاد ونحوه قائده ليس منهم، والدعوة ترأسها من رضعها من غيرهم، فكان عليهم أن يجاهروا بمفتين غيرهم، وقد فعل بعضهم، وكثرة الكلام المجمل مع كثرة أصحاب الفتن يورث الضغائن على أناس وأناس، واعذرني أخشى أن أزيد في كلامي فتحذف مشاركتي.
ـ[العزيز بالله]ــــــــ[16 - 10 - 03, 09:27 ص]ـ
أميل بشدة لكلام الأخ الشافعي:
فعلاً الحكم على الرجل والحكم على الرواية كل منهما يتأثر بالآخر.
ففي بعض المرويات التي لا يوجد أقوال في رواتها يلجأ الناقد إلى مقارنة المرويات، أما أن يكون هذا أساس علم الجرح والتعديل ففي ظني مبالغة.
لكن لي سؤال: ماذا عن الرواة الذين لا يكاد يوجد لهم إلا الحديث والحديثان؟ كيف سيتمكن الناقد من تصنيفهم في مراتب الرواة؟