وبما رواه أبو واقد الليثي رضي الله عنه قال: قد النبي صلى الله عليه وسلم المدينة , وهو يُجبّون أسنمة الإبل , ويقطعون أليات الغنم , فقال (ما يقطع من البهيمة وهي حيّة , فهو ميتة) ().
فذهب الشافعي رحمه الله إلى أن هذا الحكم عامّ لكل حيّ فقال في كتاب الأم (وإذا كسر للمرأة عظم , فطار , فلا يجوز أن ترقعه إلا بعظم ما يؤكل لحكم ذكياً. وكذلك إن سقطت سنّه صارة ميتة , فلا يجوز له أن يعيدها بعدما بانت ... وإن رقع عظمه بعظم ميتة أو ذكي لا يؤكل لحمه , أو عظم إنسان فهو كالميتة , فعليه قلعه , وإعادة كل صلاة صلاها وهو عليه. فإن لم يقلعه جبره السلطان على قلعه) ().
وما نقلنا عنه في المسألة الثانية من قوله (وإن سأل المجني عليه الوالي أن يقطعه من الجاني ثانية , لم يقطعه الوالي للقود , لأنه قد أتى بالقود مرّة , إلا أن يقطعه , لأن ألصق به ميتة) ().
فهو في هذا السياق .. فكأن الإمام الشافعي رحمه الله , حسب ما يبدو من كتاب الأم , لا يرى في إعادة الجاني عضوه مانعاً من حيث مخالفته لمقتضى القصاص , ولكنه لا يراه جائزاً من حيث أن العضو المبان نجس , فلا يجوز إلحاقه بالجسم , ولو ألحقه أمره السلطان بالقلع , لكونه مانعاً من صحة الصلاة.
ولكننا إذ نراجع كتب الشافعية المعتبرة , نجد أن معظمهم اختاروا طهارة جزء الآدمي , وإن بان منه حال حياته , فيقول النووي رحمه الله (الأصل أن ما انفصل من حيّ فهو نجس , ويستثنى الشعر المجزوز من مأكول اللحم في الحياة .. ويستثنى أيضاً شعر الآدمي , والعضو المبان منه .. فهذه كلها طاهرة على المذهب) ().
ويقول الشربيني الخطيب رحمه الله (والجزء المنفصل من الحيوان الحيّ ومشيمته كميتته , أي ذلك الحيّ , إن طاهراً فطاهر , وإن نجساً فنجس ... فالمنفصل من الآدمي أو السمك أو الجراد طاهر , ومن غيرها نجس) ().
ويقول الرملي رحمه الله (والجزء المنفصل بنفسه أو بفعل فاعل من الحيوان الحيّ كميتته طهارة وضدها ... فاليد من الآدمي طاهرة , ولو مقطوعة في سرقة) ().
ويذكر الشبراملسي رحمه الله تحته (انظر لو اتصل الجزء المذكور بأصله وحلته الحياة , فهل يطهر ويؤكل بعد الذكية أو لا؟ ونظيره ما لو أحيا الله الميتة ثم ذكيت , ولا يظهر في هذه إلا الحلّ , فكذا الأولى) ().
وهذا يدل على أن العضو المبان من الآدمي الحيّ طاهر مطلقاً. وأما العضو المنفصل من غيره , فإنما يحكم بنجاسته إذا لم يتصل بعد الإبانة بمحلّه الأصليّ , فلو اتصل وحلّته الحياة , عاد طاهراّ.
وإن هذه النصوص بظاهرها معارضة لما نقلنا عن كتاب الأم. فلعلّ ما في كتاب الأم رجع عنه الشافعي بعد ذلك , أو اختار الفقهاء الشافعية قولاً يخالف رأيه , وعلى كلّ , فالمذهب عند الشافعية الآن طهارة العضو المبان من الآدمي. وعليه فلا يؤمر بقلعه إذا أعاده إلى محلّه , ولا يحكم بنجاسته وفساد صلاته.
أما الحنفية , فالأصل أن الأعضاء التي لا تحلّها الحياة , كالظفر , والسنّ , والشعر , لا تجنس بإبانتها من الآدمي الحيّ. ولكن الأعضاء التي لا تحلها الحياة , مثل الأذن , والأنف وغيرهما , فإنها تجنس بعد إبانتها من الحيّ. ولكن قرر المتأخرون منهم أنها ليست نجسة في حق صاحبها , فلو أعادها صاحبها إلى اصلها , لا يحكم بنجاستها , وإنما هي نجسة في حق غيره. فلو زرعها غير المقطوع منه في جسمه كانت نجسة. وهذا أيضاً إذا لم تحلها الحياة. أما إذا حلّتها الحياة بعد الزرع , فلا نجاسة في حق الغير أيضاً.
أما الأصل المذكور فقد بينه ابن نجيم بقوله (إن أجزاء الميتة لا تخلو: إما أن يكون فيها دم أو لا , فالأولى كاللحم نجسة , والثانية ففي الخنزير والآدمي ليست نجسة إن كانت صلبة كالشعر والعظم بلا خلاف ... وأما الآدمي ففيه روايتان: في رواية نجسة ... وفي رواية طاهر لعدم الدم , وعدم جواز البين للكرامة) ().
ولكن جاء في الفتاوى الخانية (قلع إنسان سنه أو قطع أذنه , ثم أعادها إلى مكانهما وصلى , أو صلى وسنه أو أذنه في كمّه , تجوز صلاته في ظاهر الرواية) ().
¥