تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخلاصة البحث: أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساء مما لا دليل عليه، بل هو مخالف لعلم الأصول، والواجب الجمع بينها وبين الأحاديث المبيحة للذهب عليهن، وذلك بحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، كما شرحنا، وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء، إلا المحلق منه، كما يحرم عليهن استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقاً، فلا نسخ عندنا؛ خلافاً لما فهمه الدكتور، وأدار كل بحثه في كتابه عليه، كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة. والله الهادي، لا رب سواه.

رد الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة، والجواب عنها

3 - وقد يردّ بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى، فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء، والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتماً، وبيانه:

أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم؛ لا يكون إلا بعد أن يكون مسبوقاً بالإباحة، فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة

[183]

لمنطوق الأحاديث المحرّمة، ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضاً، ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء، لمجيء النصوص المحرمة، وقد سبق ذكر بعضها، بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم، وكذلك نقول نحن في الأحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء، ولا فرق أنها كانت قبل التحريم، ومن فرق بين هذه وتلك، فهو متناقض أو متلاعب!

تقييد الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة، وردّه

4 - وأجاب بعضهم بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق من لا يؤدي زكاة تلك الحلي؛ دون من أداها، واستدل عليه بحديث عمرو بن

[184]

شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان (أي سواران) غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسوّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟! قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز ولرسوله.

أخرجه أبو داود (1/ 244)، والنسائي (1/ 343)، وأبو عبيد في ((الأموال)) (رقم1260)، وإسناده حسن، وصححه ابن الملقن (65/ 1)، وتضعيف ابن الجوزي له في ((التحقيق)) (6/ 197/1)، مردود عليه.

ورواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (ق5/ 1) عن عمرو بن شعيب به موصولاً، ثم رواه عنه مرسلاً، وقال:

((الموصول أولى بالصواب)).

والجواب: إن هذا استدلال ضعيف جداً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر في هذه القصة لبس السوارين،

[185]

وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما، بخلاف الأحاديث المتقدمة، فإنه أنكر اللبس، ولم يتعرض لإيجاب الزكاة عليها، والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الإباحة، فكأنه صلى الله عليه وسلم تدرج لتحريمها، فأوجب الزكاة عليها أولاً، ثم حرمها، كما هو صريح الأحاديث السابقة، ولا سيما الحديث الأول من رواية أبي هريرة مرفوعاً:

((من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ... )) إلخ، فإنه لا يدل دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه، لا لعدم إخراج زكاتها.

والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي، ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة خواتيم الفضة، فهذه وتلك لا تدل على تحريم الاستعمال، بل على وجوب زكاة المستعمل؛ فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى، فأخذنا تحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث المتقدمة، وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم، ومن حديث عائشة المشار إليها وغيرها.

[186]

وجملة القول؛ أن هذا الحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري، لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار، إنما كان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال: إنه مفصل، وتلك الأحاديث مجملة، فيحمل المجمل على المفصل، وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي، فلا يعارض ما أفادته الأحاديث السابقة من التحريم.

تقييد آخر للأحاديث، والجواب عنه

5 - وأجاب هذا البعض أيضاً بجواب آخر فقال: إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت به وأظهرته، واستدب لما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

[187]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير