تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي كلامه إيماء إليه – أيضا. وقد يحمل كلامه على كراهة التنزيه دون التحريم.

فأما المقام بقرية لا جمعة فيها ولا جماعة فمكروه.

وقد قال أبو الدرداء لمعدان بن أبي طلحة: أين ينزل؟ فقال: بقرية دون حمص، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يؤذن ولا يقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة؛ فإن الذئب يأكل القاصية ". خرجه النسائي (31). وغيره وخرجه أحمد وأبو داود مختصرا (32).

وفي رواية لأحمد: " فعليك بالمدائن ويحك يا معدان " (33).

وفي " المسند " – أيضا -، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية؛ فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمساجد " (34).

فنهى عن سكنى الشعاب – وهي البوادي – وأمر بسكنى الأماكن التي فيها عامة الناس ومساجدهم وجماعتهم.

وقد روي عن قتادة أنه فسر الشعاب في هذا الحديث بشعاب الأهواء المضلة المخالفة لطريق الهدي المستقيم. خرجه أبو موسى المديني عنه بإسناده.

وفي هذا بعد؛ وإنما فسر بهذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه (35).؛ فإن الأوزاعي فسره بالبدعة يخرج إليها الرجل من الجماعة.

فأما الخروج إلى البادية أحيانا للتنزه ونحوه في أوقات الربيع وما أشبهه: فقد ورد فيه رخصة: ففي " سنن أبي داود " عن المقدام بن شريح، عن أبيه أنه قال أنه سأل عائشة: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدو؟ فقالت: نعم إلى هذه التلاع، ولقد بدا مرة فأتى بناقة مخرمة فقال: " اركبيها يا عائشة وارفقي؛ فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع منه إلا شانه " (36).

وخرج مسلم آخر الحديث دون أوله (37).

وورد النهي عنه؛ ففي " المسند " عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هلاك أمتي في اللبن " قيل: يا رسول الله! ما اللبن؟ قال: تحبون اللبن وتدعون الجماعات والجمع وتبدون " (38). وفي إسناده: ابن لهيعة.

وإن صح فيحمل على إطالة المقام بالبادية مدة أيام كثرة اللبن كلها وهي مدة طويلة يدعون فيها الجمع والجماعات.

وعن أبي عبد الله الجدلي قال: فضل أهل الأمصار على أهل (39) القرى كفضل الرجال على النساء، وفضل أهل القرى على أهل الكفور (40) كفضل الأحياء على الأموات، وسكان الكفور كسكان القبور، وإن اللبن والعشب ليأكلان إيمان العبد كما تأكل النار الحطب. خرجه حميد بن زنجويه، وروى في إسناده عن مكحول معنى أوله.

ونص أحمد – في رواية مهنا – على كراهية الخروج إلى البادية لشرب اللبن ونحوه تنزها لما به من ترك الجماعة؛ إلا أن يخرج لعلة، يعني: إنه إذا خرج تداويا لعله به جاز، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للعرنيين لما اجتووا المدينة أن يخرجوا إلى البادية ليشربوا من ألبان الإبل وأبوالها (41).

قال أبو بكر الأثرم: النهي عن التبدي محمول على سكنى البادية والإقامة بها، فأما التبدي ساعة أو يوما ونحوه فجائز. انتهى.

وقد كان السلف كثير منهم يخرج إلى البادية أيام الثمار واللبن.

قال الجريري: كان الناس يبدون ها هنا في الثمار – ثمار قصيرة -، و ذكر منهم عبد الله بن شقيق وغيره.

وكان علقمة يتبدا إلى ظهر النجف (42).

وقال النخعي: كانت البداوة إلى أرض السواد أحب إليهم من البداوة إلى أرض البادية. يعني أن الخروج إلى القرى أهون من الخروج إلى البوادي.

وكان بعضهم يمتنع من ذلك لشهود الجماعة.

فروى أبو نعيم بإسناده، عن أبي حرملة قال: اشتكى سعيد بن المسيب عينه فقيل له: يا أبا محمد! لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة ووجدت ريح البرية لنفع ذلك بصرك، فقال سعيد: وكيف أصنع بشهود العشاء والعتمة (43)؟

وما ذكره الأثرم من التفريق بين قصر المدة وطولها حسن؛ لكنه حد القليل باليوم ونحوه؛ وفيه نظر.

وفي " مراسيل أبي داود " من رواية معمر، عن موسى بن شيبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدا أكثر من شهرين فهي أعرابية " (44).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير